| 0 comments ]

تشارلي كوفمان : لماذا كتبت أن تكون جون مالكوفيتش

 

تشارلي كوفمان: لماذا كتبت أن تكون جون مالكوفيتش

كانت وظيفتي الأولى ككاتب في مسلسل كوميدي اسمه "احصل على حياة". كان المسلسل في العموم محصورا في صوت مبتكريه؛ كريس إليوت وآدم ريسنيك اللذين قد عملا في برنامج ديفيد ليترمان. كانت نصوص آدم أفضل ما في المسلسل، وقد حاولنا جميعا الكتابة بصوت آدم. تلك كانت الوظيفة.

شعرت بالإحباط من النتائج، لكن خطر لي أنه لا يوجد حل طالما أن وظيفتي هي محاكاة صوت شخص آخر. كان الحل البديهي هو أن أجد وضعا أكتب فيه نفسي، وليس شخص آخر. كان العائق الرئيسي أمام هذا الوضع هو اعتقادك الراسخ أن "نفسك" هذه ليست مثيرة للاهتمام.

في بدايتي بالوظيفة، لم أكن أستطيع الحديث في غرفة الكتابة. كنت أعمل في مسلسلا كوميديا ولا أستطيع الحديث. لم يكن الأمر كما لو أنني اخترت الامتناع عن الحديث، لكني لم أكن أستطيع فتح فمي. لم تكن لتخرج منه الكلمات. وقد استمر هذا 6 أشهر حتى ظننت أني سوف أتعرض للطرد، وربما كان ينبغي أن أُطرَد.

كتبت أن تكون جون مالكوفيتش بينما كنت أنتظر موسم التوظيف لكُتّاب المسلسلات الكوميدية. كانت فكرتي هي كتابة سيناريو أستخدمه للحصول على وظيفة. كان لدي تلك الفكرة حيث يجد أحدهم مدخلا إلى رأس شخص ما، وكان لدي فكرة أخرى عن شخص ما لديه قصة عن شخص يحظى بعلاقة مع زميله في العمل، ولم تكن أيهما تؤدي إلى أي شيء، فقررت دمجهما.

حصد السيناريو ردود أفعال إيجابية حقا. بدأت أصبح على شيء من الشهرة. كان الناس يقرأونه ويخبرونني كم كان مسليا، يدعونني إلى اجتماعات، ثم يخبرونني أن أحدا لن يصنع الفيلم أبدا. حضرت حوالي 15 اجتماعا من هذا النوع، لذلك لم أكن أتوقع أن يُصنَع. ثم وصل إلى سبايك جونز، وكان سبايك في وضع يسمح له بصناعة فيلم. لم أكن أتوقع أن يصل الفيلم إلى أي شيء، أعتقد أن هذا كان حال سبايك أيضا. أتذكر عرض الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي، كان العرض الأول له. لم أكن مدعوا، لكن سبايك وكاميرون دياز وكاثرين كينر ذهبوا. كل ما حصلت عليه كان اتصالا هاتفيا يقول أن الفيلم لاقى إعجابا كبيرا، ثم كُتِبَت عنه كل تلك المقالات. كان شيئا مثيرا.

يعتبر السرد القصصي أمرا خطيرا بطبيعته. تذكَّر حدثا مؤلما في حياتك. فكِّر في كيفية خوضك له. الآن، فكِّر في طريقة حكيك إياه لأحدهم بعد عام. الآن، فكِّر في طريقة حكيك إياه للمرة المئة. إنه ليس نفس الشيء. يعتقد معظم الناس أن المنظور شيء جيد، فمن خلاله يمكنك اكتشاف منحنى الشخصيات، تطبيق صفة أخلاقية، يمكنك روايته بفهمٍ وسياق. لكن هذا المنظور ما هو إلا تحريف، إعادة بناء ذات معنى، ولا يحمل سوى القليل من التشابه مع الحدث الأصلي.
الشيء الآخر الذي يحدث هو التعديل. تكتشف أي جزء من القصة يؤدي عمله وأي جزء يجب تنميقه، أي جزء يجب التخلص منه. أنت تشكِّل قصتك. هدفك أن تكون قصة ممتعة. ينطبق هذا على قصة تُحكى في حفل عشاء وينطبق أيضا على القصص التى تُحكى من خلال الأفلام. لا تدع أحدا يخبرك ما هي القصة وما الذي يجب أن تتضمنه. اكتب نصّا غير قصصي على سبيل التجربة. سوف يكون لديه فرصة أن يكون مختلفا.

سأحكي لك قصة صغيرة تحوي شيئا سينمائيا بطبيعته. كنت أركض في الحي الذي أسكنه، وذات يوم، مررت برجلٍ كان يركض في الاتجاه الآخر. كان أكبر مني سنا ذو جسدٍ ضخم مليئا بالعضلات. كان يكدّ في ركضه ويلهث. كنت أنزل تلّا خفيف الانحدار وكان هو يصعده، فمرّ بي وقال: طبعا، لقد "انحدر" كل شيء بهذا الشكل. أحببت تلك النكتة. كانت طريقة تواصلنا بها، فترسَّخ في عقلي أن هذا رجلا رائعا وأنه قد صار صديقي الآن.

بعد أسابيع قليلة، مررت به ثانية، ففكرت: ها هو الرجل الرائع. بينما كنا نمر ببعضنا البعض، قال: طبعا، لقد "انحدر" كل شيء بهذا الشكل، ففكَّرت: يبدو أن لديه مخزونا، أنا لستُ مميّزا إلى هذا الحد، لقد قالها لأشخاص آخرين على الأرجح، ربما لا يتذكَّرني، لكن لا بأس. ضحكت، لكن هذه المرة كانت ضحكتي مصطنعة بعض الشيء.

ثم مررت به مرةً أخرى وقالها مرة أخرى. وكان هذه المرة ينزل التل بينما كنت أصعده، فلم تبدو النكتة منطقية حتى. وبدأ الأمر ينغصني لأني شعرت بالإحراج من أجله وفكَّرت أنه ربما يعاني شيئا. واستمر الأمر في الحدوث. لقد سمعتها سبع أو ثماني مرات على الأرجح، ثم بدأت في تجنّبه.

تعجبني فكرة أن القصة تتغيَّر بمرور الوقت رغم أن شيئا لم يتغيَّر من الخارج. ما تغيَّر يقبع داخل رأسي ويتعلَّق بإدراكي دور الشخصية التي أكتبها. ولا يمكن سرد القصة إلا في شكلٍ معيَّن. لا يمكن سردها من خلال الرسم. الأمر هو: أنه من المهم جدا أن يكون ما تمارسه خاصا بالوسيط الذي تصنعه، وأن تستخدم خصائص هذا الوسيط للقيام بالعمل. وإذا كنت لا تستطيع التفكير في سبب القيام بالعمل بهذه الطريقة، فلا داعي للقيام به.

تشارلي كوفمان
ترجمة مصطفى اليماني

• نشرت صحيفة الجارديان هذا المقتطف وهو من محاضرة ألقاها تشارلي كوفمان في حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام (بافتا) ومعهد الفيلم البريطاني.

• كان عنوان المقتطف الرئيسي هو: تشارلي كوفمان: كيف تكتب قصة، إلا أن صحيفة الجارديان قامت بتعديله ليتناسب مع محتوى المقتطف.


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.