| 1 comments ]

 اللعنة 2
رنين جرس البرج الخشبي



في بلدتي يؤمنون بوجود هذه الكائنات.. في بلدتي يحذروننا من الخروج ليلاً، وتوخي الحذر نهاراً.. في بلدتي نخشى قدوم الشتاء، وهطول الأمطار، وترسب طبقات الجليد.. يقال أنهم يأتون مع هذه الأجواء.. يأتون؛ ليأكلون.
***
أول أيام الشتاء


أفتح عيني، على ندف الجليد.. تلك اللآلئ الصغيرة التي تصطدم بالنافذة.. أزيح غطائي عني، وأنهض فرحاً.. لقد أتى الشتاء، وأتى معه اللعب على الجليد.. أهم بالخروج، ولكن تستوقفني أمي.. تجبرني على ارتداء الملابس الثقيلة.. أرتدي ملابسي على عجل، وأفتح باب الكوخ؛ لأبدأ اللعب مع أصدقائي.
***
في الشتاء نُحب الخروج.. مع اختفاء أول خيط من شُعاع الشمس نخرج.. من ظلمات الكهف نخرج.. توقظني أمي، وتخبرني أن موعد الطعام قد حان.. الطعام.. لم نأكل منذ فترة طويلة؛ لأننا ننام الصيف كله، ونخرج فقط في الشتاء.. عندما سألت أمي لماذا نفعل ذلك، أخبرتني أن شمس الصيف تحرق فرائنا الأبيض، وتحيله للأسود، وتلهب جلودنا.. أنا لا أحب أن يحترق فرائي الجميل، ولا أحب أن يلتهب جلدي.. كم أنا جوعان.
***
كم هو مُمتع اللعب بكُرات الثلج، وبناء التماثيل الثلجية.. نحن الصغار نعشق الشتاء، ولكنه ما إن يأتي حتى يتوتر الكِبار، ويصبحوا قلقين بدرجة كبيرة.. لا أفهم لما كُل هذا التوتر.. كل كبير يمشي وهو يحمل بندقية على كتفه، أو خنجر في يده.. عامل البرج الخشبي يجلس منذ الصباح أمام الجرس ينتظر، ولكننا لا نأبه لكل ذلك.. نحن نريد اللعب والإستمتاع فقط.
***
على الجليد نركض.. وسط الأشجار نركض، نلبي نداء بطوننا.. نتوقف أمام بحيرة صغيرة تجمدت المياه بداخلها.. يضُمّ كبيرنا قضبته اليمنى، ويضرب الجليد بقوة؛ لتتفجر طبقة الجليد السميكة، ويظهر الماء.. ننحني؛ لنروي ظمئنا.. كلما انتهى أحدنا من الشرب، تجشئ بصوتٍ عالٍ، وصرخ.. نحن نصرخ عندما نشعر بالرضا.. ما إن انتهينا جميعنا من الشُرب حتى انتصب كبيرنا، وظل يصرخ، ويضرب بقبضتيه على صدره، مُعلِناً أنه الذي جعلنا نشرب، وأنه الأحق في قيادتنا.. يُفكر قليلاً، ثم يشير لنا بالأتجاه الذي سنتحرك فيه.. يقول أن هذا المكان لم ندخله من قبل، وأن الطعام سيكون مُتوفراً فيه بكثرة.. كم أنا جوعان.
***
عامل البُرج الخشبي يضرب الجرس بقوة؛ ليحدث رنيناً عالياً يسمعه كل من في البلدة.. تهرع الأُمّهات؛ لتُدخِلنا، وتخرج أُمّي مُسرعة لتأخذني لداخل الكوخ.. أجلس بجانب النافذة خائفاً.. يخرج الرجال مُحمّلين بأسلحتهم المُخيفة، وتخلو الشوارع من المارة.. يصرخ أحدُهم:

-"أغلقوا بوابة البلدة".

لماذا يفعلون ذلك.. ما الذي سيحدث؟؟.. أتمنى ألا يكون شيئاً سيئاً.
***
لم يعيقنا شيء، ونحن نخترق البوابة، ولم تعيقنا أسلحتهم التافهة، وصرخاتهم المستنجدة.. نحن نعشق التهامهم أحياء.. كم هو لذيذ مذاق الأعين.. أمي تقول أنني صغير على التهام لحومهم؛ لذا تقتلع أعينهم، وتنتزع أمخاخهم من أدمغتهم؛ لتطعمني.
***
أختبئ تحت الفِراش كما أمرتني أُمّي.. كذلك أمرتني بعدم إحداث أي صوت.. لا أدري أين ذهبْت، ولكنها قالت أنها ستبحث عن أبي.. أتمنى أن يكونا بخير.. أسمع صوت باب الكوخ يُفتح.. أرجو أن يكونا أمي، وأبي.. أهم بالخروج من تحت الفِراش، ولكني أتذكر نصيحة أمي لي: "لا تخرج من مكانك، إذا لم آتي لك".. ثقيلة هي تلك الخطوات.. صوت خوار، ويد تمتد لتلقي بالفِراش بعيداً، و...
***
أحب الأعين!.
***
أغلقْت الأُم كتاب الحكايات، ودثّرت طفلها جيداً، ثم طبعت قُبلة على جبينه.. قبل أن تخرج استوقفها الطفل؛ ليسألها:

-"أُمّي.. هل تعتقدين أنه من الممكن أن يحدث لي مثلما حدث مع الطفل في القصة"؟.



تنظر له أُمّه، وترتسم على شفتاها ابتسامة خفيفة، وتقول:

-"لا يا صغيري العزيز.. إنها مُجرد حكايات".



تخرج الأُم مُتمنيه لطفلها ليلة سعيدة.. تقف أمام النافذة، وتحك يديها ببعضهما طلباً للدفئ.. تنظر لذلك البرج الخشبي، وهي تتمنى ألاّ تسمع الرنين.. رنين جرس البُرج الخشبي.




تمت

مصطفى اليماني 

26/ 10 / 2010

 


التعليقات : 1

غير معرف

ربــااه! أذهلتني براعتك في الكتابـة..

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.