| 2 comments ]

 العمل ينتهي ليلاً




 في تلك المدينه يخلد الصالحون للنوم باكراً، بينما الفاسدون فقط هُم من يبقون في الخارج يلهون.. لم يعُد بإمكان الجميع معرفة الجيد من السيء، ولكني اعتدت معرفتهم من نظراتهم.. نظراتهم دائماً ما تفضحهم.. ترى ذلك الرجل هُناك.. ذلك الذي يجلس مع زوجته يتناولون قهوتهم في تلك الكافيتيرا اللطيفه الصغيره.. نعم، هذا هو ذو النظارات على أنفه.. هذا الزوج الصالح يذهب لخيانة زوجته كل ليله.. كل ليله ينام مع إحدى عاهرات الملاهي الليليه بينما زوجته في المنزل تظن أن العمل هو ما يشغله.. لا.. ليس العمل يا سيدتي وإنما هي الخيانه ما يشغله.. أستطيع رؤية عيناه من مكاني على سطح ذلك المنزل أمام الكافيتيريا مُمسِكاً بسلاحي مُركّزاً عيناي على عيناه.. أنظر له من خلف زجاج عدسات سلاحي المُقرّبه.. هذا هو هدفي القادم.. (العمل) القادم كما نسميه نحن.. لا، لن أقتله الآن بالطبع في وضح النهار.. أي قاتل مأجور يفعل هذا بربك؟!.. أنا فقط أدرس الهدف كما اعتدت في عملي.. هناك من لا يفعلون، ولكن -صدقني- هؤلاء يجازفون بحياتهم في كل عمل لهم.. أما أنا، فأدرس العمل القادم برويه وهدوء، ووقت التنفيذ هو ما يفرض نفسه.. حسناً، أعتقد أن الليله ستكون مناسبه، ولكن لا أدري لما أشعر أن هناك شيئاً خاطئ هذه المره.
***
الليل.. الليل الذي لا يشبه أي ليل بهذا الضباب، وهذا القمر المتواري خلف الغيوم دائماً.. لقد أمضيت العديد من الليالي في مُدن أخرى، ولكني لم أرى ليل يطبق ظلامه على الصدور بهذه الطريقه.. أتمنى أن ينتهي العمل سريعاً الليله؛ حتى أغادر سريعاً هذه المدينه البائسه.. يبدو أنها ستمطر الليله.. من الجيد أنني ارتديت معطفي الجلدي.. أشعر أنه يناسب شخصيتي بشدة، ألا ترى معي؟!.. هاهو ذا يخرج مودِّعاً زوجته في حميميه زائفه.. إنه العمل كما تعرفين يا حبيبتي.. حسناً، لن أتأخر الليله أعِدك.. لا، لا تصدقيه يا سيدتي.. لن يفي بوعده؛ لأنه لن يعود.. من الأفضل لكِ ألا يعود.. صدقيني.. هاهو يركب سيارته؛ ليبتعد بها.. أركب دراجتي البخاريه السوداء اللامعه، وأذهب وراءه، وأحرص على المسافه بيني وبينه؛ حتى لا يلحظ الوغد أن هناك من يتبعه.. أظن أنكم تعتقدون أنني بلا قلب.. بعد قليل سأقتل.. نعم، ربما أبدو كذلك في أعين الكثيرين.. أتعلمون؟.. دائماً ما نظرت لنفسي على أنني جامع المُخلّفات الذي يتخلص من قذارات الناس، ويلقيها بعيداً.. نعم أنا كذلك.. هؤلاء الذين أقوم بقتلهم يمثلون الجانب القذر من البشر، وأنا أتخلص منهم فحسب.. ألا أستحق الشُكر بعد هذا؟!.. يدخل الرجل منطقة الملاهي الليليه.. تلك المنطقة التي تَعُجّ دائماً بالعاهرات، والسكارى، وبائعي الممنوعات.. أنا؟.. لا، أنا لا أشرب الخمر، ولا أتعاطى المخدرات.. لما تنظرون دائماً لمن هُم مثلي على أنهم منحرفون هكذا؟!.. يتوقف بسيارته أمام إحدى الملاهي الليليه التي تبيع الهوى لمن يشتريه، وأتوقف بدوري على بُعد خطوات من سيارته.. أزيح خصلات شعري الثائرة بفعل الهواء، وأضبط نظارتي السوداء أمام عينيّ.. غريب ارتدائي لها ليلاً أعرف، ولكنك يجب أن تعرف أيضاً أن الحفاظ على هويّتنا هو ما جعلنا نستمر في هذه المهنه.. أطمئن أن مسدسي معي.. لا، هذه المره لن أستخدم بندقيتي القانصه؛ لأن العمل سينتهي عن قُرب.. هذه المره سأستخدم مسدس (جولد) مُزوّد بكاتم للصوت.. يدخل الرجل الملهى الليلي الذى يمتلك واجهه على شكل امراءه عاريه.. ياللسفاله!.. يغيب دقائق بالداخل، ثم يخرج بصحبة إحداهن، وإحداهن هذه تقريباً لا ترتدي سوى ما يستر عورتها فقط.. أتمنى لو أستطيع قتلها هي الأخرى, ولكن لا يجب أن نتجاوز العمل المُحدد.. يسيران وأنا ورائهما.. غريب هذا الجانب من المدينه.. أتمنى لو أستطيع قتل الجميع هنا.. يدخلان ذلك الزقاق المُظلِم.. دائماً هُناك أزقّه مُظلِمه.. أدخل ورائهما.. يتسلل إلى قلبي ذلك الإحساس الغريب ثانيةً.. الإحساس بأن هناك شيء خاطئ.. ما الخاطئ في الأمر.. هُما الأثنان يستحقان القتل بالتأكيد، ولكنني للأسف لن أقتل إلاّ الرجُل.. يعبران الزقاق إلى الطرف الآخر حيث المزيد من الملاهي الليليه، وبائعات الهوى، وبائعي الممنوعات.. يدخلان أخيراً إلى مكان مُغلق.. منزل صغير يبدو من مظهره أنه كان وكراً للرزيله والفساد، و... هاهي تُمطر كما توقعت في البدايه.. جيد، صوت الرعد سيعلو فوق صوت العاهره، فلن يسمعها أحد قبل فتره لا بأس بها, ووقتها سأكون أنا خارج المدينه بأكملها.. أدخل ببطئ من الباب الذي تُرِك مفتوحاً بالفعل.. أتسلل.. المنزل من طابقين.. يبدو أن لا أحد في الطابق الأول.. نعم، غُرف النوم تكون دائماً في الطابق الثاني!.. أُخرِج قناعي الأسود.. أرتديه؛ ليغطي وجهي بأكمله، ماعدا فتحتيّ العينين بالطبع، وفتحة الفم.. كما قلت لكم الحفاظ على الهويه هو أساس العمل.. أُخرِج سلاحي الذي طالما عشقته في هذه المُهمّات الصغيره، وأبدأ التسلل لأعلى.
***
عندما اقتحمت غرفتهما وأطلقت النار عليه، لم يكونا عاريين كما توقعت.. كان هو بكامل ملابسه، وكانت هي ترتدي ملابس مُحتشمه.. كانا يجلسان أمام منضدة تناثرت عليها بضعة أوراق، مع جهاز تسجيل صغير كان يعمل.. كانت هي منهاره مما حدث.. جلسْت في أحدى أركان الغرفه، وظلّت تبكي.. أقتربت من المِنضدة وأمسكت بجهاز التسجيل.. أدرت الشريط للخلف، ثم سمعتهُ يقول:
"الحوار الصحفي الخامس مع إحدى بائعات الهوى في الجانب المُظلِم من المدينه.. يجري الحوار الصحفي (...)"

سقط جهاز التسجيل من يدي؛ ليطلق ذلك الصوت المميز الذي يصدر من أي جهاز تسجيل عندما يقع من يدك على الأرض.. ياإلهي.. صحفي، وكان يعمل؟.. ماذا فعلت؟.
***
عندما سقطْت على الأرض وتناثر دماغها لم أشعر بالأسف.. هذه كانت تستحق القتل بالتأكيد.. يبدو أن مبلغ التأمين كان كبيراً بالفعل؛ مما جعلها تدفع لي ما طلبته منها على الفور.. لابد أنها كانت تعرف من البدايه أنه كان يعمل، ولم يكن يكذب عليها.. لابد أنها كانت تعرف، ولكنني لم أكُن أعرف.. هذه كانت تستحق القتل بالتأكيد.
***
أركب دراجتي، وأنظر خلفي؛ لأرى تلك المدينه البائسه.. في تلك المدينه لم يعد أحد يعرف الجيد من السيء، ولكنني أعرف.. أعرفهم من نظرتي في أعينهم، أعرفهم من ابتساماتهم الصفراء التي لا توحي دائماً بالثقه، أعرفهم بالتأكيد.. أزيح بعضاً من خصلات شعري الثائره بفعل الهواء، وأضبط نظارتي السوداء أمام عيني، فالحفاظ على هويتنا هو ما يجعلنا نستمر في هذه المهنه كما تعرفون!.
تمت

مصطفى اليماني


التعليقات : 2

Aml Mahmoud

هو فعلا العنوان جذاب
لكن القصة جاءت نمطية فى مجملها وخصوصا النهاية احنا اتعودنا على التيمة دى فى الافلام يعنى ان ست تقتل زوجها لغاية مادية
لكن ايه الحكمة فى روايتك من ان يعلم القاتل انه كان مخطا فى ظنه
فالقاتل فى هذه القصة مجرم محترف وليس مصلح اجتماعى

مصطفى اليماني

أهلاً بكِ مرة أخرى يا أخت أمل..

يبدو أنكِ لم تنظري لشخصية القاتل، بقدر نظرك إلى أفعاله.. شخصيته هي التي تبرر أفعاله، وليس كونه قاتل محترف، وأيضاً شخصياتنا هي التي تبرر أفعالنا، وليس كوننا بائعي جرائد، أو رجال أعمال.. القاتل هنا كان يتصرف على أساس أن القتل ليس سوى عمل؛ يجب أن ينهيه جيداً، ولكنه صُدِم عندما عرف أنه أخطأ في عمله، ولكنه عاد ليصلح خطأه بقتله للسيدة في النهاية.. هناك دافع آخر، وهو أنه شعر أنه خُدِع من السيدة.. لم أفهم معنى (مُصلح اجتماعي)، ولم أفهم إلام تُشير.
أما بالنسبة لتعودك على تيمة السيدة التي تقتل زوجها؛ من أجل المال، فمهمتي هُنا لا تقتصر على نقل ما تعودتي عليه، بل عكس ما تعودتي عليه، وإلاّ لما كان لكتابتي أي فائدة..

أشكرك، وبشدة مرة أخرى؛ على متابعتك للمدونة.. تحياتي لكِ.

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.