اللعنة
أركض وكل رجال البلده يركضون ورائي.. أصرخ: "ابتعدوااااااااا"، ويصرخون: "توقف أيها الوغد".. لا أذكر أنني ركضت هكذا من قبل.. العرق ينهمر من جبهتي كشلالاتٍ تتدفق من أعلى؛ لتصطدم بالصخور.. صوت دقات قلبي يعلو.. يعلو فوق أصواتهم.. هل أتوقف؟.. لن أستطيع المواصله أكثر من ذلك.. توقفت.. أخذ نفساً عميقاً أملئ به رأتيّ.. كأنه النفْس الأخير لي في الحياه، أو هو النفْس الأخير بالفعل.. لقد وصلوا.. وصلوا مُلوّحين بمشاعلهم، وفؤوسهم.. أنا الآن أقف في مواجهتهم.. حسناً، فليفعلوا بي ما يشائون، فلن أستطيع الهرب بعد الآن.. يتقدم أحدهم ويقول: "فلنقتله هنا، والآن"!.. ليتهم يفعلون، ولكن كبيرهم يتقدم، ويهدئ من ثورتهم قليلاً.. ينظر لي بعينين تنثران الشرر من كثرة غضبه.. يرفع صوته ويقول:
- "لا.. سنتبع الطقوس.. بعد ثلاثة ليالي ستكون نهايته".
ثم أمر بضعة رجال باصطحابي.. نعم، لا مانع من بضعة ركلات، مع لكمات في المعده.. لن يكون هناك فرق مع رجل ميت.
***
ظلام السجن.. إنه أكثر ظلاماً من الخارج حتماً، وتلك الشمعه الواهنه الضعيفه لن تصمد أمام وطئه.. أسمع أصوات المساجين في زنازينهم بجانبي.. حتى هُم يطالبون بموتي.. يدقون بالأكواب المعدنيه على الأبواب الحديديه ويصيحون: "ملعووووون.. خذوه بعيداً عنا.. لا نريد أن يمسنا بلعنته". لعنه.. اللعنه عليكم جميعاً إن لم تصمتوا، وتكفّوا عن هذه الهراءات.. ماذا فعلت؟.. لم يخبرني أحد بتهمتي بعد.. هذا ليس عدلاً.. حتماً هذه البلده لا تعرف العدل.. إنهم هُم الملعونين، لكن ليس أنا.
***
الليله الثالثة.. تمر الليالي سريعاً حينما تكون مُقدِم على الموت.. لابد أن الليل يريد التخلص مني بسرعه مثلهم.. باب الزنزانه الحديدي يُفتَح، ومنه يدخل رجلان قذران يجرّاني، وهما يتمتمان بكلماتٍ ما ويرتجفان.. لم آكل منذ ثلاث ليالي، وأنا واهن حتى على الموت. الخارج، حيث الليل ينتظر قدومي؛ كما كنت أنتظر قدومه, وحيث الغيوم تتجمع بكثره أمام القمر؛ لتحجب عني ضوءه الخافت.. ربما هُم أيضاً يظنون أنني ملعون؛ وبالتالي لا أستحق ضوء القمر.. يصطحبني الرجلان إلى حيث ينتظر بضعة رجال.. يفسحون؛ ليظهر ذلك الصليب الخشبي الكبير.. لا!.. أيها الحمقى، ماذا ستفعلون بي؟.. أحاول أن أتملص وهم يثبتوني بقوه إلى الصليب.. أصرخ أن: "لااااااااااااا"، ولكن لا فائده.. وضعوني على الصليب، وأتى رجلان يحمل كل منهما مسمار كبير في يدٍ، وفي اليد الأخرى مطرقه.. ثبت كل منهما إحدى يدي على الصليب.. كل دقه من دقاتهما تصحبها صرخة ألم مني.. أهذا هو الألم.. أم الموت.
***
هل فقدت الوعي.. أعتقد أنني فقدت وعيي بعدما... أفتح عيناي ببطئ.. أشعر بدوار شديد.. أنظر من أعلى حيث رفعوا الصليب الخشبي؛ لينتصب على الأرض.. ماذا سيفعلون؟.. معصماي يؤلمانني بشدة، والدوار يزيد.. لقد أوقدوا ناراً على شكل دائرة من حولي، وأتى ذلك الكبير ليقف أمامي.. أنظر له وأسأله:
- "ماذا فعلت"؟.
ليجيب:
- "لقد كنت آخر من دخلوا البلده في الأيام الأخيره, وفي الأيام الأخيره فقط حدثت حوادث القتل الغريبه.. لقد رأى الرجال وشم الشيطان على جبهتك.. بعد قليل ستتلاشى الغيوم من أمام القمر، وستظهر حقيقتك الشيطانيه.. سيظهر المذءوب من داخلك".
صحت فيه:
- "مذءوب"؟!.
وردَّ:
- "نعم، ووقتها يمكننا قتلك على حقيقتك الشيطانيه".
شيطانيه؟!.. الملاعين.. تلك الوحمه على جبهتي وُلِدت بها, ويقول وشم الشيطان، ولكن.. ماذا لو كان على حق.. ماذا لو كنت مذءوباً بالفعل؟.. لقد سمعت عن هؤلاء البشر الذين يتحولون في الليالي التي يكتمل فيها القمر ويصبح بدراً.. يُقال أنهم لا يشعرون بأنفسهم عندما يتحولون، ولا يعرفون ما يفعلون وقتها.. يا إلهي.. الغيوم تنقشع بالفعل الآن.. الآن ستظهر حقيقتي التي لم أكن أعرفها.. القمر البدر يظهر من وراء غِطاء الغيوم.. أشعر بجلدي يتمزق.. أشعر بـ... لا شيء.. لم يحدث شيء عندما ظهر القمر.. يقف الجميع في الأسفل متعجبون بِشدّه.. أضحك.. أضحك: "ههههههههههه!.. أرأيتم أيها الحمقى.. لم يحدث شيء.. لا يوجد مذءوب، أو أياً من تلك الخرافات التي تؤمنون بها"، ولكن.. مهلاً.. هناك شيء خاطئ.. ما هذا الوشم الغريب الذي بدأ يظهر على جبهة الرجل الكبير؟.. ينظر له الجميع.. يبتعدون عنه.. يقول أحدهم بصوتٍ خافت: "إنه هو".. يصرخ بِشدّة ذلك الرجل الكبير.. يركض الجميع من حوله في هلع.. الغيوم تتجمع ثانيةً، ولكن هذه المره أتت من أجل الأمطار، لا من أجل إخفاء القمر.. الرجل يرتمي على الأرض.. يصرخ، بل يعوي.. تجحظ عيناه، وتتمزق ملابسه من إثر تلك التغيرات المُخيفه، ويغطي الشعر الغزير جسده.. البرق يلتمع في السماء، ثم يليه الرعد، ويليهما صوت العواء المخيف لذلك المخلوق الغريب الذي تشكّل تحتي من الرجل الكبير.. أغمض عيني، وأدعو أن تكون النهايه سريعه.. إلى أي مدي تكون الميته سيئه على يد مذءوب؟.
***

تمت
مصطفى اليماني
مصطفى اليماني
التعليقات : 2
قصة جميلة وفكرتها مختلفة
@MEROOooOOoo
شكراً لكِ مرة أخرى يا أختي، وأتمنى أن يظل رأيك هكذا دائماً..
تحياتي.
إرسال تعليق
أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.