مدونتي التي أعود إليها كل بعض سنين أو
أكثر.. أعود تائهاً، متحيراً، أجوف.. أحاول التمسك بالأمل الأخير لي في
الحياة: الكتابة.. وبقدر مايبدو هذا الأمل خيالياً، كرتونياً، أؤكد أنه
صحيح.. ودعوني أشرح لكم باختصار: أن كلٍ منا يعيش لأنه يجيد فعل شيء ما؛
وإذا فقد هذا الشيء، فقد ذاته.. أتحدث عن المثقف تحديداً، ولتحاول -رجاءً-
التخلص من صورة المثقف القبيحة.. أنت تعرف: ذلك المتعالي، الذي يتهم الجميع
بالجهل، منعزل عن العالم، لايعلم عنه سوى مايسمعه على مقهاه المفضل،
وهكذا... إنها صحيحه أحياناً، لكني لست من ذلك النوع على كل حال.. المهم
أنني أتحدث عن المثقف تحديداً؛ لأن المثقف هو الذي لم يتوقف عند حد معين،
بل اختار أن يفتح لنفسه أبواباً، وآفاقاً آخرى، أبعد وأعمق.. والثقافة مثل
طرف الخيط؛ الذي إذا شددته لن يتوقف، بل سيستمر إلى الأبد.. لهذا لايتوقف
طموحه عند حد؛ ولهذا يستمر في الحياة؛ من أجل تحقيق هدفه، ولكن طموحه هذا،
من الممكن أن يتسبب في مقتله أيضاً! غريب، لكن الإنتحار مشهور لدى الطبقة
المثقفه؛ لأن ثقافتهم تجعلهم يعانون..
لكن
عديم الثقافة لايعاني تلك المعاناة؛ لأن طموحه يتوقف عند حد معين، وهو حد
التخرج من الجامعه -لو اختار التعلم- والبحث عن عمل؛ من أجل الإدخار
للزواج، والزواج؛ من أجل الإنجاب... ثم لا شيء.. تتوقف حياته عند هذا الحد،
وهو مخيف بالنسبة لي، لكنه لايعاني؛ لأنه لاينظر لأبعد من ذلك.. وهو في
ذلك سعيد الحظ..
لا
أريد أن يُسيء فهمي من تلك الناحية؛ فالزواج أمرٌ عظيم الشأن، وأنا نفسي
كنت أعيش في الماضي، تلك المرحلة التي نتمنى أن نجد فيها شريكة العمر،
وياسلام لو يبدأ الأمر بالحب، مثل الأفلام، لا على طريقة: شوفي لي عروسة
يامّا. في وقتٍ ما، لم أكن أجرؤ على قول: أنني لا أرغب في الزواج، لكني
أقولها الآن.. في الماضي كنت أراه صعباً؛ لأن: الشبكة، والمهر، والشقة،
والبلا بلا بلا التي تجعل عالمنا جدير بلقب "العالم الثالث".. هذا غير
المسؤولية.. ده انا خايف اجيب حيوان أليف؛ عشان متحملش مشاعر الخوف عليه،
والوقت اللي أكيد هاييحي ويموت فيه.. كان عندي عصفور زمان -وده له قصة
لوحده- ولمّا مات -ودي لها قصة لوحدها- عملت مناحه.. ومن وقتها، وأنا أخشى
جلب أي كائن حي للمنزل..
أنا
لا أقصد أنني لا أريد تحمل المسؤولية.. أنا فقط أخشى؛ ألا أكون جديراً
بها.. لا أريد أن أتزوج، وأقع في خطأ ما.. الزواج حياة، وليس (تجربة) قد
تفشل، وقد تنجح.. يجب أن تصيب..
عن
ماذا كنت أتحدث؟ أنا أعرف بالطبع، لكن حركة: عن ماذا كنت أتحدث، و: آه،
كنت أتحدث عن كذا، تبدو مغرية أحياناً.. المهم، أنني كنت أتحدث عن الكتابة،
ودخلت في مواضيع عِدة؛ لأوضح وجهة نظري؛ ولأتحدث عنها بالمرة..
أنا
أخشى التوقف عن الكتابة؛ لأنني لو فعلت، سأفقدني.. كلٍ منا لديه مايجيد
فعله، وأنا نشأت غير مؤهلاً لفعل أي شيء، ولم أختر في حياتي أي شيء..
الكتابة وحدها، هي التي اخترتها واختارتني، وعندما قررت؛ أن الكتابة ستكون
جزءً مني، كنت بذلك أهب لنفسي حياة جديدة.. حياة أصنعها، وأصر على
الإستمرار فيها، وأفكر بها كل يوم، وأنتظر الوقت الذي سأنتهي فيه من تحفتي
التي ستبهر العالم، عالمي الصغير، المكون من أصدقاء عرفتهم عن طريق
الكتابة، و بعض المعجبين الذين فقدتهم على الأرجح لأنني لا أكتب باستمرار،
لكني أحلم باستمرار، والجيد أنني توقفت عن ترديد أحلامي على الناس،
واقتنعت: إما أن تفعل الشيء وتتحدث عنه، أو تتوقف عن الحديث إلى الأبد..
طيب ما المشكلة؟ ماتكتب يا أخي، هو حد حايشك؟
المشكلة
ليست في الكتابة نفسها بالتأكيد، بل الكاتب. أنا إنسان أجوف.. إذا فتحت
جسدي، لن تجد أعضاءه، وروحي تنسحب مني.. في كل يوم أفقد جزء من ذاتي.. ليست
نهاية العالم، لكنها نهايتي..
في
مسودة مدونتي روايتين لم تكتملا بعد.. لماذا أكتب في مسودة المدونة؟ لهذا
قصة، لكن لنحكها بالمرة: أنا لا أحب الكتابة على الوورد؛ لأنني وقتها
سأُدخل نفسي في إضافات لا داعي لها: حجم الخط، نوعه، عدد الصفحات... وأنا
بحكم النضج تخليت عن كل ذلك، ومن يتابع المدونة حتى الآن؛ سيدرك الفرق بين
التدوينات القديمة المليئة بالصور، والخط الكبير، والألوان، وبين التدوينات
الحالية، التي أهدف فيها للتدوين لاغير..
المهم
أنني أعمل على روايتين، لكني توقفت عن الكتابة فيهما طويلاً، مما جعلني
أتسائل: هل الكتابة لاتزال مني، وأنا لها؟ أم أنني فقدت مايجعلني حياً،
ماينبض بدلاً من قلبي، ويجري بدلاً من الدم في عروقي.. هاجس أن تتوقف عن
فعل ماتحب يلاحق الجميع، لكن المشكلة أن تتوقف؛ بسببك، لابسبب مؤثرات
خارجية.. أنا من النوع الذي يؤمن: أنني سبب تأخري على كل حال..
الخلاصة:
أنني لو لم أكمل روايتي الأخيرة؛ سأتوقف بإرادتي، وسأعتزل قبل أن أبدأ..
لماذا هذا القرار الغريب؛ لأنني لو لم أكن أهلاً لكتابة رواية؛ سأصبح أمام
نفسي لاشيء.. أنت لم تستطع استكمال ماتردد أنك ستصبح لاشيء بدونه.. إذن أنت
لاشيء بالفعل! وأنا لا أضع التدوينات والمقالات، وأي شيء آخر في الحساب..
يعني ربما أتوقف عن الكتابة، لكن استمراري في التدوين لا يُحسب كتابة فعليه
بحساباتي.. التدوين شيء عظيم طبعاً، لكن الكتابة الحقه عندي؛ هي القصة
-التي توقفت عن كتابتها- والرواية التي دخلت مجال كتابتها..
الشبح
هي الرواية الأولى، والتي كتبت فصلها الأول هنا وتوقفت، والرواية الثانية
هي تلك التي سأتوقف عن الكتابة، لو لم أنهيها، واسمها: المعتادون.. تلك
الرواية، جعلتني أتوقف عن كتابة أي شيء آخر من أجلها، وعن البدء في أي شيء
جديد.. ماهو هبدأ جديد بأمارة إيه؟! الأفكار البراقة الرائعة، تلح علي كل
يوم، لكن لتحترق الأفكار قبل أن أخطها؛ لأنها لن تكتمل على أية حال..
ولتحل علي لعنة الأرض والسماء؛ إن لم أنهي المعتادون؛ ولأكن بذلك من رافصي نعمة الله؛ التي ستزول من وجهي حتماً إن رفضتها.
أنا
رجل أجوف.. وماسيملؤني بيدي؛ إن سكبته أرضاً مت، وإن شربته، عدت حياً من
جديد، ولايوجد خيار ثالث؛ لأنني لا أقبل بوضع: الميت الحي.
7 فبراير، 2013
التعليقات : 2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لست أجوفًا أخي الكريم
هذه حالة يعيشها معظم عشاق الكتابة
حقًا الكتابة هي الحياة هي متنفسي
مثل الماء والهواء لا أستطيع العيش
بدونها لذا عندما تنتابني هذه الحالةأقاومها
ولا أستسلم لها أبدًا..وأتمنى ألا تستسلم لها
أكتب ولا تتوقف أكتب بدون أن تفكر
في الذي سيحدث مستقبلاً فقط أكتب
من أجلك أنت طالما أن الكتابة بالنسبة
لك هي الروح فلا تتخلى عنها أبدًا.
بانتظار الفصل الثاني من رواية الشبح
تحياتي
فتاة الغروب
شكراً على تعليقك الجميل يا أختي.. أسأل الله ألا أضطر للتوقف عن الكتابة حقاً، وإن شاء الله تقرأي الفصل الثاني من رواية "الشبح" على المدونة، قريباً. لقد توقفت عن كتابة الشبح؛ لأنه أصبح لها ترتيبات أخرى، غير التي رسمتها داخل عقلي، وقت كتابتي لفصلها الأول.
إرسال تعليق
أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.