| 0 comments ]

القزم الراقص- قصة قصيرة لهاروكي موراكامي

أتى قزم إلى حلمي وطلب مني الرقص.

كنت أعرف أنه حلم، لكني كنت متعبًا في الحلم كماهو حالي في الواقع، فرفضت بكل أدب. لم يشعر القزم بالإهانة، لكنه رقص وحيدًا عوضًا عن ذلك.

وضع القزم فونوجراف محمول على الأرض ورقص مع الموسيقى، وكانت الاسطوانات متناثرة في جميع الأنحاء حول الفونوجراف. التقطت بعضها من عدة مواضع مختلفة. كانت تتألف من منوعات موسيقية حقيقية، كما لو أن القزم اختارهم وعينيه مغلقتين، ملتقطًا أيًا كان ماوقع تحت يده. ولم تكن أيًا من الاسطوانات في غلافها الصحيح. كان القزم قد أخذ الاسطوانات التي انتهى من سماعها بعيدًا عن القرص الدوار، ليلقي بهم في الكومة دون إعادتهم إلى أغلفتهم، وينسى أيهم مناسب لبعضه، ليضع بعد ذلك الاسطوانات في الأغلفة بشكل عشوائي. كانت هناك اسطوانة لفريق رولينج ستونز في غلاف لجلين ميلر، وأخرى لجوقة ميتش ميلر في غلاف أغنية دافنيز وكلوي لموريس رافييل.

لكن لم يبدو أن ايًا من هذه الفوضى كانت تهم القزم، كان راضٍ طالما يمكنه الرقص على الموسيقى، أيًا كان نوعها. في هذه اللحظة كان يرقص على أنغام اسطوانة لتشارلي باركر والتي كانت في غلاف بعنوان "اختيارات عظيمة" للجيتار الكلاسيكي. كان جسده يدور مثل إعصار، يمتص موجة النغمات الجامحة التي تدفقت من ساكسفون تشارلي باركر. كنت أشاهده يرقص وأنا آكُل العنب.

تصبب العرق منه. أرسلت كل تطويحة من رأسه قطرات عرق متطايرة من وجهه، وأطلقت كل حركة من ذراعه تيارات عرق من أنامله. لكن لاشيء يمكن أن يوقفه. وضعت صحن العنب أرضًا عندما انتهت الاسطوانة وقمت بوضع اسطوانة جديدة، وتأهب هو للبدء.

قلت له دامعًا: «أنت راقص عظيم. أنت الموسيقى ذاتها.»

أجاب بشيء من التكلف: «شكرًا لك.»

-«أترقص دائمًا بهذا الشكل؟.»

قال: «إلى حدٍ كبير.»

ثم قام القزم بدورة جميلة على أطراف أصابعه، فطار شعره الناعم، المموج في الريح. أثنيت عليه. لم يسبق لي أن رأيت رقصة مكتملة في حياتي. انحنى القزم احترامًا عند نهاية الأغنية. توقف عن الرقص وجلس لتجفيف عرقه. كانت الإبرة تنقر في الحز الداخلي للاسطوانة، فرفعت حاملها وأطفئت الفونوجراف. وضعت الاسطوانة في أول غلاف كان في متناول يدي.

رمقني القزم بنظرة عابرة وقال: «أعتقد أنك لاتملك وقتًا لسماع قصتي. إنها قصة طويلة.»

تناولت حبة عنب أخرى، غير متأكد من كيفية الإجابة. لم يكن الوقت مشكلة بالنسبة لي، لكني لم أكن بذلك الحرص على سماع قصة طويلة لحياة قزم. إلى جانب أن هذا كان حلم، يمكن أن يتبخر في أي لحظة.

بدلًا من انتظار إجابتي، شبك القزم أصابعه وبدأ بالكلام: «أنا من شَمال البلاد، وهم لايرقصون في الشَمال. لا أحد يعرف كيف، حتى أنهم لايدركون أنه شيء يمكنك القيام به. لكني كنت أرغب في الرقص. أردت أن أضرب الأرض بقدميّ وأحرك ذراعيّ، أهز رأسي وأدور حول نفسي. هكذا.»

ضرب القزم الأرض بقدميه، حرك ذراعيه، هز رأسه، ودار حول نفسه. كانت كل حركة بسيطة في حد ذاتها، لكن الجمع بين الحركات الأربعة كان يصنع حركة جميلة بشكل لايصدق، تنفجر من جسد القزم في كل مرة، ككُرة يتفجر منها الضوء.

-«أردت أن أرقص هكذا، ولهذا جئت إلى الجنوب. رقصت في الحانات. أصبحت مشهورًا، ورقصت في حضور الملك. كان هذا قبل الثورة بالطبع، فالملك وافته المنية بمجرد اندلاع الثورة كماتعلم، ونُفيت أنا من المدينة لأعيش في الغابة.»

ذهب القزم إلى منتصف الخلاء وبدأ في الرقص مرة أخرى. قمت بتشغيل الموسيقى. كان تسجيلًا قديمًا لفرانك سيناترا. رقص القزم وغنى "night and day" مع سيناترا. تخيلته يرقص جوار العرش، حيث الثُريات المتألقة والوصيفات الجميلات، الفواكة الغريبة والرماح الطويلة للحرس الملكي، الخصيان المهيبون والملك الشاب في رداء مرصع بالجواهر، القزم غارق في العرق لكنه يرقص بتركيز متواصل، وكما تخيلت المشهد الرائع، شعرت أن هدير مدفع الثورة سيتردد صداه في أي لحظة عن بُعد.

أكلت ثمار العنب بينما استمر القزم في الرقص. غطى غروب الشمس الأرض بظلال الغابات. عبرت الخلاء فراشة سوداء ضخمة بحجم طائر واختفت في أعماق الغابة. شعرت برعشة هواء المساء. علمت أن الوقت قد حان ليتوارى حلمي عن الأنظار.

قلت للقزم: «أعتقد أنني يجب أن أذهب الآن.»

توقف عن الرقص وأومأ في صمت.

قلت: «لقد استمتعت برؤيتك ترقص، شكرًا جزيلًا.»

قال القزم: «مرحبًا بك في أي وقت.»

فقلت: «ربما لانلتقي مجددًا، اعتني بنفسك.»

قال القزم: «لاتقلق، سوف نلتقي مجددًا.»

-«أأنت متأكد؟.»

قال مع فرقعة بأصابعه: «بالطبع. سوف تعود إلى هنا، سوف تعيش في الغابات، وسترقص معي يوميًا. وستصبح راقصًا جيدًا بدورك في وقت قصير.»

قلت مندهشًا: «كيف تعلم؟.»

فأجاب: «لقد تقدَّر، ولا أحد يملك القدرة على تغيير ماقد تقدَّر. إنني أعلم أننا سنلتقي مرة أخرى قريبًا.»

نظر القزم إلى وجهي مباشرةً وهو يتحدث. حوّله الظلام العميق للزرقة الغامقة للمياه في الليل.

قال القزم: «أراك عندها إذن.»

أعطى ظهره لي وبدأ في الرقص مجددًا، وحيدًا.

استيقظت وحدي. كان وجهي ملتصقًا في السرير، غارقًا في العرق. كان هناك طائر خارج نافذتي. بدا مختلفًا عن الذي اعتدت رؤيته هناك.

غسلت وجهي بعناية كبيرة، حلقت، وضعت بعض الخبز في المحمصة، وغليت الماء للقهوة. أطعمت القط، نظفت فضلاته، عقدت ربطة عنق، وربطت حذائي. ثم ركبت حافلة إلى مصنع الفيل.

غني عن القول أن صنع الأفيال ليس أمر يسير، فهي كبيرة، قبل أي شيء، وفي غاية التعقيد. إنها ليست مثل صنع دبابيس الشعر أو الأقلام الملونة. يغطي المصنع مساحة كبيرة، ويتألف من عدة مباني، وكل مبنى كبير بدوره، والأقسام مرمزة بالألوان. عُينت في قسم الأذن هذا الشهر؛ عملت في المبنى ذو السقف والوظائف الصفراء. خوذتي وسروالي كانا صفراوين أيضًا. كل مافعلت هناك كان صنع الآذان. في الشهر السابق عُينت في المبنى الأخضر، حيث ارتديت خوذة وسروال خضراوين وصنعت الرؤوس. نحن نتنقل من قسم لآخر كل شهر، مثل الغجر. أنها سياسة الشركة. بهذه الطريقة يمكن أن نشكل جميعًا صورة كاملة لما يبدو عليه الفيل. لم يكن يُسمح لأحد بقضاء حياته كلها في صنع الآذان مثلًا، أو الأظافر فقط. وضع المديرين التنفيذيين المخطط الذي يحكم تحركاتنا، ونحن نتبع المخطط.

صنع رؤوس الأفيال عملٌ مجز جدًا. إنه يتطلب عناية هائلة بالتفاصيل، وفي نهاية اليوم ستكون متعبًا للغاية لدرجة أنك لن تريد أن تكلم أحدًا. لقد فقدت 6 باوندات خلال العمل هناك لمدة شهر، لكنه منحني شعورًا هائلًا بالإنجاز. وبالمقارنة، فإن صنع الآذان يعد بسيطًا. أنت فقط تصنع هذه الأشياء الكبيرة، المسطحة، الرفيعة، تضيف إليهم بعضًا من التجاعيد، وتكون انتهيت. نحن ندعو العمل في قسم الأذن "أخذ استراحة الأذن". وبعد استراحة أُذن دامت شهرًا، أذهب إلى قسم الجذع، حيث العمل الشاق مرًة أخرى. الجذع يجب أن يكون مرنًا، ويجب ألا تتعارض خياشيمه مع طوله الكامل؛ وإلا، سيُصاب الفيل النهائي بالهياج. وهذا مايجعل صنع الجذع عملًا مرهق للأعصاب من البداية للنهاية.

نحن لانصنع الأفيال من لاشيء بالطبع. نحن نعيد تشكيلهم بمعنى أصح. في البداية رأينا فيل واحد مكون من ستة أجزاء مميزة: الأذنين، والجذع، والرأس، والبطن، والساقين، والذيل. هذا وقمنا بإعادة تجميع لإنتاج 5 أفيال، ممايعني أن كل فيل جديد ليس سوى خُمس حقيقي فقط وأربعة أخماس تقليد. هذا غير واضح للعين المجردة، ولا الفيل نفسه يدرك ذلك. نحن في غاية الكفاءة.

لماذا يجب علينا تصنيع -أو ينبغي أن أقول، إعادة تشكيل- الفيلة؟ لأننا أقل صبرًا بكثير مماهي عليه، فالفيلة، طِبقًا لطبيعتها، لاتضع سوى مولود واحد كل 4 أو 5 سنوات. ونظرًا لأننا نحب الفيلة، بطبيعة الحال، فإن انتظار رؤية هذا العُرف -أو السلوك المعتاد- يجعلنا نافذي الصبر. هذا مادفعنا لبدء إعادة تشكيلهم بأنفسنا.

لحماية الأفيال المعاد تشكيلها حديثًا ضد سوء الإستخدام، يتم بيعها في البداية لشركة توريد الفيل، المملوكة حصريًا للقطاع العام، حيث يبقوهم لمدة أسبوعين ويخضعوهم لمجموعة اختبارات عالية الدقة، تُختَم بعدها بختم قدم الفيل مع شِعار الشركة قبل أن يُطلق الفيل في الغابة. نحن نصنع 15 فيلًا في الأسبوع العادي. رغم أنه في موسم ماقبل الكريسماس يمكن أن نصل إلى 25 بتشغيل الآلات بأقصى سرعة. أعتقد أن 15 عدد كافي.

إن قسم الأذن هو أسهل مرحلة في عملية تصنيع الفيل كماذكرت سابقًا. إنه يتطلب مجهود بدني بسيط من جانب العمال، ولايستلزم تركيزًا وثيقًا، ولايتضمن آلية معقدة. كذلك عدد العمليات التي يشملها محدودة. يمكن للعُمّال إما العمل بوتيرة هادئة طيلة اليوم أو إجهاد أنفسهم للوفاء بحصتهم في الصباح ليكونوا أحرار بعد الظهر.

أفضل وشريكي في قسم الأذن النهج الثاني. نحن ننهي العمل في الصباح ونقضي بعد الظهيرة في التحدث أو القراءة أو تسلية أنفسنا بشكل منفصل. بعد ظهر اليوم عقب حلم القزم الراقص، كان كل ما علينا فعله هو تعليق 10 آذان مجعدة طازجة على الحائط، بعدها جلسنا على الأرض نستمتع بأشعة الشمس.

أخبرت شريكي عن القزم. تذكرت الحلم بتفاصيل حية ووصفت له كل شيء عنه، مهما كان تافهًا. وماكان وصفه صعبًا، شرحته بهز رأسي أو أرجحة زراعيّ أو النقر بقدميّ. استمع بهمهمات اهتمام متكررة وهو يحتسي الشاي. كان أقدم مني بخمس سنوات، زميل ذو بنية قوية مع لحية داكنة وميل للصمت. كان لديه هذه العادة من التفكير وذراعيه معقودين. يمكن أن تعتقد أنه مفكر جاد، وينظر للأمور من كل الزوايا، إذا حكمت من خلال تعبير وجهه، لكنه عادًة ماينهض بعد حين، ويقول: «هذه مسألة صعبة.» وليس أكثر.

لم يصبني هذا بخيبة أمل. لم أتوقع أن يقول أكثر ممايقول عادًة. كنت أريد فقط أن أخبر أحدهم عنه. أطفئت المنفاخ الكهربي وشربت الشاي الذي أصبح فاترًا.

رغم أنه استغرق في التفكير لوقت أطول ممايكرس عادًة لمثل هذه الأمور.

سألته: «في ماذا تفكر؟.»

-«أنا متأكد من أنني سمعت عن هذا القزم من قبل.»

الأمر الذي جعلني أجفل.

-«أنا فقط لا أستطيع تذكر من أخبرني عنه.»

رجوته: «حاول من فضلك.»

-«بالتأكيد.»

قالها، وعاد للتفكير مرًة أخرى.

استطاع أخيرًا تذكر مايعرفه عن القزم بعد ثلاث ساعات، عند غروب الشمس قرب موعد الإنصراف.

صاح: «وجدتها! العجوز من المرحلة السادسة! أنت تعرفه، الرجل الذي يغرس الشعر. هيا، أنت تعرفه، لديه شعر أبيض طويل يسترسل على كتفيه، لايكاد يملك أسنان. يعمل هنا منذ قبل الثورة.»

قلت: «نعم، لقد تذكرته.»

كنت قد رأيته في الحانة عدة مرات.

-«نعم، لقد أخبرني عن القزم منذ وقتٍ طويل، قال أنه كان راقص ماهر. لم أمنحه الكثير من الإهتمام، ظنًا أنه كان يهذي، لكني لا أعرف الآن. ربما لم يكن مجنونًا بعد كل شيء.»

-«إذًا، ماذا أخبرك؟.»

-«لست واثقًا يارفيق، فقد كان هذا منذ وقت طويل.» ثم عقد ذراعيه واستغرق في التفكير مرًة أخرى، لكنه كان ميئوسًا منه. اعتدل في جلسته بعد بُرهَة، وقال: «لا أستطيع أن أتذكر. اذهب واسأله بنفسك.»

ذهبت إلى منطقة المرحلة السادسة، بمجرد أن رن جرس الإنصراف، لكن لم يكن هناك إشارة على وجود الرجل. لم أجد سوى شابتين تكنسان الأرضية. أخبرتني الفتاة النحيفة أنه ربما ذهب إلى الحانة، حيث وجدته بالفعل، يجلس إلى المشرب معتدلًا، يشرب وبجانبه علبة غذائه.

كانت الحانة مكان قديم للغاية. كانت هناك منذ فترة طويلة قبل أن أولد، قبل اندلاع الثورة. منذ أجيال وحرفيوا الفيل يأتوا إلى هنا للشُرب، ولعب الروق، والغناء. اكتست الجدران بصور للأيام الخوالي في مصنع الفيل. هناك صورة لأول رئيس للشركة وهو يعاين نابًا، صورة لنجمة أفلام قديمة وهي تزور المصنع، صور التقطت لرقصات الصيف، أشياء من هذا القبيل. كان الحرس الثوري قد أحرق جميع صور الملك والعائلة الملكية وأي شيء آخر قد يعتبر ملكيًا. كانت هناك صور للثورة بالطبع، فالحرس الثوري يحتل المصنع ويفرض سيطرته على المدير.

وجدت الرجل يشرب الخمر تحت صورة قديمة، مشوهة، حملت عنوان "ثلاثة فتية يلمعون أنيابًا"، عندما جلست على المِقعد المجاور له، أشار إلى الصورة وقال: «هذا أنا.»

حدقت جيدًا في الصورة. اتضح أن الفتى الصغير على اليمين، البالغ من العمر اثني أو ثلاثة عشر عامًا، كان العجوز في شبابه. أنت لن تلاحظ التشابه من تلقاء نفسك، لكن بمجرد أن تُنبَّه له، يمكن أن ترى أن الإثنان لديهما نفس الأنف الحاد والشفاه المسطحة. يبدو أن العجوز دائمًا مايجلس هنا، وكلما لمح زبونًا غير مألوف، يقول: «هذا أنا.»

قلت، أملًا في حثه على الحديث: «يبدو أنها صورة قديمة بحق.»

فقال موضحًا: «أنها من أيام الثورة، حتى رجل عجوز مثلي كان لايزال طفلًا آنذاك. نحن جميعًا نشيخ رغم ذلك. أنت ستصبح مثلي قبل أن تلحظ. فلتنتظر فحسب ياعزيزي الصغير!»

كان ثرثارًا عظيمًا، يتناثر البصاق من فمه المفتوح الذي فقد نصف أسنانه.

ثم بدأ يحكي قصصًا عن الثورة. ومن الواضح أنه يكره كلًا من الملك والحرس الثوري. تركته يحكي كل ماشاء، وابتعت له زجاجة خمر أخرى، وعندما حانت الفرصة، سألته لو تصادف معرفته عن قزم راقص.

قال: «قزم راقص؟ أتود أن تسمع عن القزم الراقص؟»

-«أود ذلك.»

برقت عيناه في عيني، وسأل: «ولِم تريد أن تسمع عنه؟»

فكذبت: «لا أعرف. أخبرني أحدهم عنه، فبدى مثيرًا للإهتمام.»

ظل يتأملني بنظرة فاحصة، حتى عادت عينيه لنظرة النُعاس المميزة التي يملكها السكارى. قال: «حسنًا، لِم لا؟ لتشتري لي شرابًا. لكن بشرط،» قالها وهو يشير محذرًا، «لا تخبر أحدًا. جحيم الثورة كان منذ وقتٍ طويل، لكن لايزال من المفترض ألا نتحدث عن القزم الراقص. لذا، أيًا كان ما سأقول لك، فلتحتفظ به لنفسك، ولا تأتِ على ذكر اسمي. اتفقنا؟»

-«اتفقنا.»

-«فلتطلب لي شراب آخر الآن، ولنذهب للجلوس إلى طاولة.»

طلبت زجاجتين وأخذتهم إلى الطاولة، بعيدًا عن الساقي. كان هناك مصباح أخضر ذو شكل فيل فوق الطاولة.

قال العجوز: «حدث الأمر قبل الثورة، عندما أتى القزم من شمال البلاد. كان راقص في غاية العظمة! لا، لم يكن مجرد عظيم في الرقص، بل كان الرقص ذاته. لم يكن في استطاعة أحد مضاهاته. الرياح والضوء والعطر والظل، كانت كلها تتفجر بداخله. هذا القزم يمكنه فعل ذلك، أنت تعلم. كان شيء يمكن رؤيته.»

نقر زجاجته في أسنانه القليلة المتبقية.

سألته:  «هل رأيته يرقص فعلًا؟»

حدق الزميل العجوز في وجهي، باسطًا يديه على الطاولة:  «هل رأيته؟ بالطبع رأيته. كل يوم. هنا.»

- «هنا؟»

- «لقد سمعتني, هنا. كان يرقص هنا كل يوم، قبل قيام الثورة.»

وشرع العجوز يحكي كيف أن القزم سافر من شمال البلاد بلا مليمًا في جيبه. لقد لزم هذه الحانة، حيث تجمع عمال مصنع الفيل، وظل يؤدي وظائف غريبة، حتى أدرك المدير براعته في الرقص، فعيّنه للرقص بدوام كامل. تزمر العمال في البداية لأنهم كانوا يرغبون في راقصة، لكن هذا لم يدم طويلًا، فمع مشروباتهم في إيديهم، كانوا منومين فعليًا وهم يشاهدونه يرقص. ولم يكن يرقص مثل أي شخص آخر. كان يستطيع انتزاع مشاعر من جمهوره، مشاعر قلما خاضوها أو لم يعرفوا حتى أنهم ملكوها. كان يكشف هذه المشاعر لضوء النهار كما لو أنك تسحب أمعاء سمكة.

رقص القزم في هذه الحانة لما يقرب من نصف عام. فاض المكان بالزبائن الذين رغبوا في رؤيته يرقص. وكلما شاهدوه، كانوا يغمرون أنفسهم في سعادة مطلقة أو يتغلبون على حزن لاحدود له. وسرعان ما امتلك القزم القدرة على التحكم في مشاعر الناس بمجرد اختيار خطوة الرقص.

وصل الحديث عن القزم أخيرًا إلى مسمع رئيس مجلس النبلاء، كان على علاقة وثيقة بمصنع الفيل وتقع إقطاعيته بالقرب منه. من هذا النبيل -الذي اتضح أن الحرس الثوري اعتقله وألقى به حيًا في وعاء غراء مغلي- وصلت أخبار القزم إلى الملك الشاب. صمم الملك على رؤية رقص القزم لحبه للموسيقى. أرسل سفينة بشعار ملكي للحانة، وحمل الحرس الملكي القزم إلى القصر بكل تقدير واحترام. تلقى صاحب الحانة تعويضًا سخيًا عن خسارته. تذمر الزبائن لخسارتهم، لكنهم كانوا أكثر ذكاءً من التذمر من الملك، فأذعنوا لشرب البيرة والخمر وعادوا لمشاهدة رقصات الفتيات.

في الوقت نفسه، مُنِح القزم غرفة في القصر، حيث أعطاه الوصيفات حمامًا وألبسنه الحرير وعلمنه الأصول القويمة للمثول أمام الملك. وفي الليلة التالية، اقتُيد إلى القاعة الكبيرة، حيث جلست فرقة الملك متأهبة لعزف موسيقى البولكا التي ألفها الملك نفسه. رقص القزم على ألحان البولكا بهدوء في البداية، كما لوكان يسمح لجسمه باستيعاب الموسيقى، ثم زاد من سرعة رقصه تدريجيًا حتى صار يدور بقوة إعصار. شاهده الناس لاهثي الأنفاس. لم ينبس أحد ببنت شفه. سقط عدد من السيدات النبيلات على الأرض مغشيًا عليهن، ومن يد الملك، سقط قدح كريستالي يحتوي على نبيذ بغبار الذهب، لكن أحدًا لم ينتبه لصوت تحطمه.

عند هذه النقطة من القصة، وضع العجوز زجاجته على الطاولة ومسح فمه بظهر يده، ثم مد يده للمصباح ذو شكل الفيل وبدء يعبث به. أردته أن يتابع، لكنه لزم الصمت لبضع دقائق. ناديت الساقي وطلبت المزيد من البيرة والخمر. كانت الحانة تزدحم ببطئ، وعلى المسرح، وقفت مغنية شابة تضبط جيتارها.

سألته: «ثم ماذا حدث؟»

قال: «ثم؟ ومن ثم قامت الثورة، وقُتِل الملك، وفر القزم هربًا.»

أسندت مرفقيّ على الطاولة، رفعت قدحي وشربت جرعة بيرة كبيرة. نظرت للعجوز وسألت: «أتعنى أن الثورة حدثت فقط بعدما دخل القزم القصر؟»

-«لم تقم بعد وقت طويل، بل حدثت بعد عام تقريبًا، كما أظن.»

ثم تشجأ العجوز بقوة.

قلت: «أنا لم أفهم، في البداية، قلت أنه لم يكن من المفترض أن تتحدث عن القزم. لماذا؟ أيوجد رابط ما بين القزم والثورة؟»

-«أنت من دفعني للحديث عن الأمر. رغم أنه يوجد شيء واحد مؤكد، وهو أن الحرس الثوري أراد القبض على ذلك القزم لتهمة فظيعة، ولازالوا. أن الثورة قصة قديمة بالفعل، لكنهم مازالوا يبحثون عن قزم الرقص. وحتى مع ذلك، لا أعرف الصِلة بين القزم والثورة. لم نسمع سوى شائعات.»

-«أي نوع من الشائعات؟»

أمكنني رؤية أنه كان يواجه صعوبة في تحديد ما إذا كان سيخبرني المزيد. أخيرًا قال: «الشائعات مجرد شائعات، لن تعرف أبدًا ماهي الحقيقة، لكن بعض الناس قالوا أن القزم استخدم نوع من القوة الشريرة على القصر، وهذا ماتسبب في قيام الثورة. هذا كل ما أعرفه عن القزم على أية حال، لا أكثر ولا أقل.»

أطلق العجوز زفرة طويلة، ثم تجرع زجاجته في دفعة واحدة. سال السائل الوردي من شدقيه، وتساقط على ياقة قميصه البيضاء.

لم أحلم بالقزم مرة أخرى. ذهبت إلى مصنع الفيل كل يوم كالمعتاد واستمررت في صنع الآذان، تليين أذنًا بالبخار أولًا، ثم تسطيحها بالملزمة، واقتطاع خمسة آذان، ثم إضافة المكونات لعمل خمسة آذان كاملة الحجم، وتجفيفهم، وأخيرًا، إضافة التجاعيد. عند الظهر، آخذ استراحة مع زميلي لتناول الغذاء والحديث عن الفتاة الجديدة في المرحلة الثامنة.

كان هناك الكثير من الفتيات يعملن في مصنع الفيل، تخصص أغلبهن في وصل الجهاز العصبي أو ماكينة الخياطة أو التنظيف. نحن نتحدث عنهن كلما حظينا بوقت فراغ، وكلما حظين بوقت فراغ، تحدثن عنا.

قال زميلي: «أنها فتاة رائعة الجمال، يرغب بها كل الشباب، لكن لم يحظى بها أحد حتى الآن.»

سألت: «أيمكن أن تكون بهذا الجمال حقًا؟»

كان لدي شكوكي. في كل مرة أذهب لأرى "الشيء المثير"، يتضح أنه لاشيء. كانت هذه الشائعة من النوعية التي لايمكن أن تثق بها أبدًا.

قال: «بلاشك، اذهب لتعاينها بنفسك، ولو لم تعتقد أنها جميلة، فاذهب إلى المرحلة السادسة واحصل على عينان جديدتان. أتمنى لولم أكن متزوجًا. كنت سأحظى بها، أو أموت وأنا أحاول.»

انتهت استراحة الغذاء تقريبًا، لكن كالعادة، لم يتبق لقسمي أي عمل تقريبًا لبعد ظُهر اليوم، لذا، لفقت عُذرًا، لأذهب للمرحلة الثامنة. للذهاب إلى هناك، يجب أن تعبر نفق طويل تحت الأرض. كان هناك حارس عند مدخل النفق، لكنه يعرفني من قبل، فلم أواجه مشكلة في العبور.

أفضت نهاية النفق إلى ضفة نهر، وكان مبنى المرحلة الثامنة يقع قرب مجراه. كان كلًا من السطح والمدخنة ورديين. تصنع المرحلة الثامنة الساقين. عملت هناك سابقًا لمدة أربعة أشهر فقط، فعرفت التصميم جيدًا. رغم أن الحارس الشاب عند المدخل كان مستجد لم أره من قبل.

سألني: «ماهو عملك؟»

بدا في زيه المجعد مثل نوعية الموظف الجديد النمطي، عازمٌ على فرض النظام.

قلت وأنا أتنحنح: «لقد نفذت منا كابلات العصب، وقد جئت لاستعارة البعض.»

قال محدقًا في زيي: «هذا غريب، أنت من قسم الأذن، والكابلات من قسميّ الأذن والساق لاينبغي أن تكون قابلة للتبديل.»

-«حسنًا، سأحاول أن ألخص لك الأمر. كنت أخطط في الأساس لاقتراض كابل من قسم الجذع، لكن لم يكن لديهم أي فائض. وكان كابل الساق لديهم نافذًا؛ فقالوا أنهم سيمنحوني كابلًا من النوع الجيد، لو جلبت لهم بكرة من كابل الساق، وعندما اتصلت بمبناكم، قالوا أن لديهم كابل ساق إضافي، ولهذا السبب أنا هنا.»

عصر الحارس ذاكرته، وقال: «لم أسمع أي شيء يخص هذا الأمر، هذه الأمور من المفترض أن تكون مرتبة مسبقًا.»

-«هذا غريب، فقد رتبت الأمر بالفعل، لابد أن أحدهم أخطأ. سأخبر الرجال بالداخل أن يصوبوا الخطأ.»

وقف الحارس يتذمر في مطرحه فحسب. حذرته أنه يبطئ الإنتاج بهذا الشكل وأنني أحمله مسؤولية لو أن أحدهم في الطابق العلوي أزعجني. أخيرًا سمح لي بالدخول وهو لايزال يتذمر.

تقع المرحلة الثامنة -قسم الساق- في مبنى منخض، فسيح؛ مكان ضيق، طويل، ذو أرضية رملية غائرة جزئيًا. يصير نظرك في الداخل بمستوى الأرض، وتغدوالنوافذ الزجاجية الضيقة المصدر الوحيد للضوء. تدلت من السقف قضبان كانت تنقل عشرات من سيقان الفيلة. لو أمعنت النظر إليهم، سيبدو الأمر وكأن قطيع كبير من الفيلة يحلق قادمًا من السماء.

لم يكن القسم كله يحوي سوى 30 عاملًا، رجال ونساء. ارتدى جميعهم قبعات وأقنعة ونظارات واقية، فكان مستحيل في العتمة معرفة أيهم الفتاة الجديدة. ميزت شابًا اعتدت العمل معه وسألته أين يمكنني العثور عليها.

قال: «أنها الفتاة التي تلصق الأظافر عند الطاولة رقم 15، لكن دعك من الأمر لو كنت تخطط للتقرب منها، فهي صلبة كالمسامير. لافرصة لديك.»

قلت: «شكرًا على النصيحة.»

كانت الفتاة عند الطاولة 15 صغيرة وضئيلة. بدت كصبي في لوحة للقرون الوسطى.

قلت لها: «معذرًة.»

تطلعت إلي، إلى زيي، إلى حذائي، ثم إلى وجهي مرًة أخرى. ثم خلعت قبعتها ونظاراتها الواقية. كانت جميلة بشكل لايصدق. كان شعرها طويل ومجعد، وكانت عيناها عميقة كالمحيط.

-«نعم؟»

-«كنت أتساءل لو كنتِ ترغبين في الخروج معي للرقص ليلة غد السبت. لو كنتِ متفرغة.»

-«حسنًا، أنا متفرغة ليلة الغد، وسأذهب للرقص، لكن ليس معك.»

-«ألديكِ موعد مع شخص آخر؟»

قالت: «إطلاقًا.»

ثم ارتدت نظاراتها وقبعتها مجددًا، التقطت ظفر فيل من فوق طاولتها، وأودعته داخل تجويف الأظافر في إحدى الأقدام، تتحقق من ملاءمته. كان الظُفر عريضًا قليلًا، فقامت ببرده ببضع حركات سريعة.

قلت: «هيا، فلترافقيني، لو لم يكن لديكِ موعد. هذا أكثر مرحًا من الذهاب وحيده. وأنا أعرف مطعمًا جيدًا يمكن أن نذهب إليه.»

-«هذا جيد، لكني أريد أن أرقص وحدي. إن أردت الرقص أيضًا، فلن يمنعك شيء عن المجيء.»

فقلت: «سوف آتي.»

قالت: «هذا عائدٌ لك.»

واصلت العمل، متجاهلًة إياي. حشرت الآن الظُفر داخل التجويف في مقدمة القدم. كان مناسبًا تمامًا هذه المرة.

قلت: «جيد جدًا بالنسبة لمبتدئة.»

لم تجبني.

في تلك الليلة، أتى القزم إلى حلمي مرة أخرى، ومرة اخرى كنت أعرف أنه حلم. كان يجلس فوق جذع في وسط الخلاء في الغابة، يدخن سيجارة. هذه المرة لم يكن معه الفونوجراف ولا الاسطوانات. كانت هناك علامات إرهاق على وجهه جعلته يبدو أكثر تقدمًا في العمر مما كان عندما رأيته أول مرة، رغم أنه لايمكن ظنّه شخص وُلِد قبل الثورة في كل الأحوال. بدا أكبر مني بعامين أو ثلاثة أعوام تقريبًا، لكن الجزم كان صعبًا. هذه هي الحال مع الأقزام.

لم أجد شيء أفضل للقيام به، فتمشيت حول القزم، ناظرًا للسماء، وفي النهاية جلست بجانبه. كانت السماء رمادية وملبدة بالغيوم، وقد انجرفت الغيوم السوداء غربًا. ربما تهطل الأمطار في أي وقت، وربما وضع القزم الفونوجراف والاسطوانات بعيدًا ليقيهم الأمطار.

قلت للقزم: «مرحبًا.»

فأجاب: «مرحبًا.»

سألته: «لن ترقص اليوم؟»

فقال: «لا، ليس اليوم.»

كان القزم يبدو كمخلوق ضعيف، حزين، عندما لم يكن يرقص. أنت لن تعتقد أبدًا أنه كان رمز الفخر للسلطة في القصر الملكي.

قلت: «تبدو مريضًا نوعًا.»

فأجاب: «أنا مريض بالفعل. يمكن أن تصبح الغابات في غاية البرودة، وعندما تعيش وحيدًا لفترة طويلة، تبدأ أشياء مختلفة في التأثير على صحتك.»

قلت: «هذا رهيب.»

-«أحتاج إلى الطاقة. أحتاج إلى مصدر جديد للطاقة يسري في عروقي، الطاقة التي ستمنحني القدرة على الرقص والرقص، لتبللني الأمطار دون أن أصاب بالبرد، لأركض خلال الحقول والتلال. هذا ما أحتاج إليه.»

قلت: «يا إلهي.»

جلسنا فوق الجذع لفترة طويلة، لاننبس بكلمة. سمعت الريح تداعب فروع الأشجار من فوقي، ورفرفت فراشة ضخمة بين جذوع الأشجار واختفت.

قال: «لاتهتم، المهم أنك أردت أن أقضي لك حاجة.»

-«حقًا؟»

لم يكن لدي فكرة عمايتحدث عنه.

التقط القزم فرع شجرة ورسم به نجمة على الأرض، ثم قال: «الفتاة، أنت تريد الفتاة، أليس كذلك؟»

يقصد الحسناء الجديدة في المرحلة الثامنة. تعجبت لأنه كان يعرف الكثير، لكن كل شيء جائز في الأحلام.

-«أريدها بالتأكيد، لكن لا أستطيع أن أطلب منك مساعدتي في الحصول عليها، فلابد أن أفعلها بنفسي.»

-«لاتستطيع.»

-«ما الذي يجعلك متأكدًا من ذلك؟»

قال: «أنا متأكد. يمكن أن تغضب، لكن الحقيقة أنه لايمكن أن تفعل ذلك بنفسك.»

فكرت أنه ربما يكون محقًا، فقد كنت شخصًا عاديًا، لا أملك مايجعلني فخورًا -لامال، ولا مظهر جيد، ولاحتى أسلوب مميز في الحديث- لا شيء مميز على الإطلاق. في الواقع، لم أكن رجلًا سيئًا، وكنت أعمل بجِد، والناس في المصنع يحبونني. كنت قويًا وبصحة جيدة. لكني لم أكن الشخص الذي يثير جنون الفتيات من أول نظرة. كيف يمكن لشاب مثلي أن يأمل في الحصول على فتاة بهذا الجمال؟

همس القزم قائلًا: «قد ينجح الأمر، لو تركتني أساعدك.»

-«تساعدني؟ كيف؟»

كان قد أثار فضولي.

-«عن طريق الرقص. إنها تحب الرقص، أرِها أنك راقص جيد وسوف تصبح لك، بعدها لن تفعل سوى الوقوف تحت الشجرة وانتظار الثمرة لتسقط بين يديك.»

-«أتعني أنك ستعلمني الرقص؟»

قال: «لامانع لدي، لكن لن يفيدك يوم أو اثنان من الممارسة. الأمر يتطلب 6 أشهر على الأقل من التدريب المتواصل. هذا مايلزم لتأسر قلب أحدهم بالرقص.»

هززت رأسي قائلًا: «لافائدة إذن، فلو انتظرت لستة أشهر، سيحصل عليها رجل آخر بالتأكيد.»

-«متى ستذهب للرقص؟»

-«ليلة غدٍ السبت. ستذهب لقاعة الرقص، وسأطلب منها مراقصتي.»

استخدم القزم الفرع لرسم عدة خطوط عمودية على التراب، ثم وصلهم بخط أفقي، ليصنع تخطيط غريب. تابعت حركة يده في صمت. بصق القزم عُقب سيجارته على الأرض وسحقه بقدمه، ثم قال: «هناك طريقة لإتمام الأمر، لوكنت تريدها حقًا. أنت تريد الفتاة، أليس كذلك؟»

-«بالطبع أريدها.»

-«وتريدني أن أخبرك كيف يمكن إتمام الأمر؟»

-«من فضلك، أريد أن أعرف.»

-«الأمر في غاية البساطة، ماعلي سوى الولوج بداخلك، واستخدام جسدك للرقص. أنت قوي وبصحة جيدة؛ فلابد أنك قادر على آداء رقصة صغيرة.»

قلت: «أنا بأفضل حال، لكن أيمكنك حقًا فعل شيء كهذا، الولوج بداخلي والرقص؟»

-«بالطبع، وأضمن لك أنها ستكون ملكك. وليس هي فقط، بل يمكنك الحصول على أي فتاة.»

لعقت شفتيّ مفكرًا. الفكرة أفضل من أن تكون حقيقة. لو تركت القزم يلج بداخلي، فربما لايخرج أبدًا، وقد يستولي على جسدي. بقدر ماكنت أرغب بالفتاة، لم أكنت مستعدًا لترك هذا يحدث.

قال، كأنه قرأ أفكاري: «أنت خائف، لأنك تظن أني سوف أستحوذ على جسدك.»

قلت: «لقد سمعت عنك أشياء.»

-«أفترض أنها أشياء سيئة.»

-«أجل، أشياءٌ سيئة.»

قال وهو يبتسم بخبث: «لاتقلق. ربما أملك قوى، لكني لا أستطيع امتلاك جسد أحدهم للأبد. الإتفاق سلفًا مطلوب، ولا أستطيع فعل ذلك مالم يتفق الطرفان. أنت لا تريد أن تفقد جسدك للأبد، صحيح؟»

قلت وقد أصابتني الفكرة بقشعريرة: «لا، بالطبع لا.»

رفع القزم سبابته قائلًا: «ولا أريد مساعدتك في الحصول على فتاتك بلا تعويض من أي نوع، لكني سأفعلها بشرط، وهو ليس صعبًا، لكن الشرط نور.»

-«وماهو؟»

-«سوف أدخل جسدك، ونذهب إلى قاعة الرقص. تطلب منها الرقص معك وتأسرها برقصك، ثم تصبح لك. لكن غير مسموح لك أن تتفوه بكلمة من البداية للنهاية. لايمكن أن تصدر صوتًا حتى تنجح في الحصول عليها. هذا هو شرطي الوحيد.»

قلت محتجًا: «وكيف يفترض أن أغريها، دون التفوه بكلمة واحدة؟»

قال القزم وهو يهز رأسه: «لاتقلق، يمكنك الحصول على أي امرأة دون فتح فمك، مادمت أرقص لك. لذلك، ومن الوقت الذي تطئ فيه قاعة الرقص وحتى اللحظة التي تجعلها فيها حبيبتك، ممنوع استخدام صوتك على الإطلاق.»

-«ولو استخدمت صوتي؟»

قال كما لوكان أمرًا بديهيًا: «عندها يصبح جسدك ملكًا لي.»

-«ولو نفذت الشروط بالكامل دون إصدار صوت؟»

-«وقتها، تصبح الفتاة لك، وأغادر جسدك عائدًا للغابة.»

تنهدت في حسرة. ماذا كان يجب أن أفعل؟ وبينما كنت أتصارع مع السؤال، خط القزم مخطط غريب آخر على الأرض. أتت فراشة وحطت في وسطه بالضبط. أعترف أنني كنت خائفًا. لم أصرح على الفور بأنني سأكون قادرًا على الصمت من البداية للنهاية، لكني علمت أنها كانت الطريقة الوحيدة لأحتضن تلك الفتاة الرائعة بين ذراعيّ. تذكرتها في المرحلة الثامنة، تثبت أظافر الفيلة. كان لابد أن أحصل عليها.

قلت أخيرًا: «حسنًا، سوف أنفذ طريقتك.»

فقال القزم: «أحسنت، وهذا اتفاق بيننا.»

تقع قاعة الرقص بجانب بوابة المصنع الرئيسية، وتكون مقتظة دائمًا في ليلة السبت بالرجال والنساء الذين يعملون في مصنع الفيل. تقريبًا كل العمال المتفرغين، رجال ونساء، يأتون إلى هنا للرقص والشرب والتحدث مع أصدقائنا، بينما ينسل الأزواج في النهاية للخارج لممارسة الحب في الغابة.

همس القزم بداخلي: كيف فوّت هذا! هذا كل مايعنيه الرقص؛ الحشد، والمشروبات، والأضواء، ورائحة العرق، وعطر الفتيات. كلها أشياء تعيدني للأيام الخوالي!

شققت الحشد، باحثًا عنها. ربت على كتفي الأصدقاء الذين لاحظوا وجودي، ونادوني، لكني كنت أرد عليهم بابتسامة ودودة واسعة ولا أقول شيئًا. بدأت الفرقة بالعزف منذ مدة، ولايزال أثرها معدومًا.

قال القزم: لاتتعجل، لايزال الليل في بدايته، ولديك الكثير لتتطلع إليه.

كانت ساحة الرقص عبارة عن دائرة كبيرة آلية، تدور ببطئ، بينما اصطفت المقاعد والطاولات في صفوف حول حافتها الخارجية. فوق الساحة تدلت ثريا كبيرة من السقف المرتفع، بينما انعكس بريق خشب الأرضية النقي اللامع مثل طبقة ثلجية. خارج الدائرة ارتفع مسرح الفرقة، مثل مدرجات الملاعب. اصطفت فوق المسرح فرقتين تعزفان بالتناوب كل 30 دقيقة، تقدمان موسيقى الرقص الخصبة كل مساء دون انقطاع. تميزت الفرقة اليمنى بمجموعتين كاملتين من الطبول، وحملت جميع سترات أعضاءها شعار الفيل الأحمر ذاته. عامل الجذب الرئيسي للفرقة اليسرى كان عشرة أعضاء يعزفون الترومبون، وارتدت هذه الفرقة أقنعة فيل خضراء.

وجدت مقعدًا وطلبت بيره، أرخيت ربطة عنقي وأشعلت سيجارة. اقترب فتيات قاعة الرقص، اللاتي يرقصن مقابل المال، من مائدتي ودعوني للرقص، لكني تجاهلتهن. جلست واضعًا يدي على خدي، أرتشف من البيره، في انتظار الفتاة.

مرت ساعة، ولم تظهر الفتاة بعد. عَبَرَ موكب للأغاني ساحة الرقص، احتوى على راقصو فالس وفوكستروت، وقارعو طبول، وعازفي بوق. بدأت أشعر أنها ربما كانت تلعب بي، أنها لم تكن تنوي المجيء إلى هنا للرقص.

همس القزم: لاتقلق، سوف تأتي. فقط استرخ.

تخطت عقارب الساعة التاسعة قبل أن تظهر على باب قاعة الرقص. كانت ترتدي فستان ضيق لامع من قطعة واحدة وحذاء أسود بكعب عالي. بدت قاعة الرقص بأكملها مستعدة لأن تفقد الوعي، فقد كانت متألقة ومثيرة للغاية. رصدها الرجال وتوافدوا عليها، يقدمون أنفسهم كمرافقين، لكنها كانت تعيدهم إلى الحشد، بحركة واحدة من يدها.

تابعت حركاتها بينما كنت أرشف البيرة، جَلَسَتْ إلى طاولة في الجانب الآخر من ساحة الرقص، طلبت كوكتيل أحمر اللون وأشعلت سيجارة طويلة. لم تقرب الشراب تقريبًا، وعندما أنهت السيجارة، سحقتها، دون أن تشعل أخرى. ثم قامت وسارت نحو ساحة الرقص، ببطء، مع استعداد لاعتلاء منصة الرقص العالية.

رقصت وحيدة، ولمّا انتقلت الفرقة لعزف التانجو، تحركت مع الموسيقى برشاقة ساحرة، وكلما انحنت، اكتسح شعرها الطويل الأسود المجعد الأرضية مثل الريح، أصابعها النحيلة تنقر أوتار القيثارة الخفية الطافية في الهواء. رقصت بنفسها، لنفسها، بحرية تامة. لم أستطع الإشاحة بنظري بعيدًا عنها. شعرت كأني لا أزال أحلم. بدأت أشعر بالحيرة، لو كنت أستخدم حلم لتحقيق آخر، فأين الحقيقة وسط كل هذا؟

قال القزم: إنها راقصة عظيمة، تستحق أن تقوم بالأمر مع شخص مثلها. لنذهب لها.

قمت وأنا لا أكاد أشعر بخطواتي، وغادرت طاولتي إلى ساحة الرقص. تدافع في طريقي عدد من الرجال، وقفت بجانبها ونقرت بكعبيّ إشارة للآخرين على نيتي للرقص. ألقت نظرة علي وهي تدور، فابتسمت لها ولم تبادلني الإبتسامة. بدلًا من ذلك، استغرقت في الرقص وحدها.

بدأت بالرقص، ببطء في البداية، لكني أسرعت تدريجيًا حتى أصبحت أرقص مثل زوبعة. لم يعد جسدي ينتمي لي. ذراعيّ، وساقيّ، ورأسي، تحركوا كلهم بعنف على ساحة الرقص وكأن لاصلة لهم بأفكاري. تركت نفسي للرقص، وكل حين كنت أسمع بوضوح عبور النجوم، وتغيرات المد والجزر، وحركات الرياح. كان هذا المعنى الحق للرقص. نقرت بقدميّ، وأرجحت ذراعيّ، وطوحت رأسي، ودُرت. كُرة من الضوء الأبيض انفجرت داخل رأسي بينما كنت أدور وأدور.

رمقتني مرة أخرى، وفي اللحظة التالية كانت تدور وتضرب الأرض بقدميها معي، فأدركت أن الضوء تفجر بداخلها هي الأخرى. كنت سعيدًا. لم أكن بهذه السعادة قط.

قال القزم: هذا أكثر متعة من العمل في مصنع الفيل، أليس كذلك؟

لم أجِبه. كان فمي جافًا للغاية، ولم أكن لأستطيع التحدث لو حاولت.

استغرقنا في الرقص ساعة تلو الأخرى، وكنت أقود الرقصات، وتتبع خطاي. بدا الوقت كأنه سيستمر للأبد. في النهاية تَوَقَّفَتْ عن الرقص، بدت منهكة تمامًا. اصطحبتني من ذراعي، فتوقفت أنا الآخر -أو ينبغي أن أقول القزم- عن الرقص. وقفنا في منتصف ساحة الرقص نحدق في عيني بعضنا البعض. انحنت لتخلع كعبيها العاليين، وبينما تدَلّيًا من يدها، واصلت النظر إلى مرًة أخرى.

غادرنا قاعة الرقص وسرنا بمحاذاة النهر، ولم يكن لدي سيارة، فظللنا نمشي ونمشي. سرعان ما بدأ الطريق صعوده التدريجي نحو التلال. صار الهواء معبقًا بعطر زهور الليل البيضاء الوارفة. اِلْتَفَتْتُ لأرى الأشكال المظلمة للمصنع تنتشر من حوله، بينما تَسَرَّبَ ضوء أصفر من قاعة الرقص إلى المناطق المحيطة بها مثل الكثير من حبوب اللقاح، وكانت أحدى الفرقتين تعزف لحن القفز. كانت الريح ناعمة، وبدا ضوء القمر كأنه صبغ شعرها.

لم يتحدث أيًا منا، فبعد رقص مثل هذا، لم يعد هناك حاجة لقول أي شيء. تشبثت بذراعي مثل شخص أعمى يقوده أحدهم على طول الطريق.

أفضى الطريق فوق قمة التلة إلى حقل مفتوح مُحاط بغابات الصنوبر. بدت المساحة الواسعة مثل بحيرة هادئة، وبدا الحقل المكسو بالعشب الطويل كأنه يرقص في رياح الليل، وفي أنحاءه شقت أزهار مشرقة طريقها إلى ضوء القمر، تنادي الحشرات.

قدتها إلى وسط الحقل المعشوشب، واضعًا ذراعي حول كتفيها، حيث أجلستها على الأرض، دون كلمة واحدة. قالت وهي تبتسم: «أنت لاتتحدث كثيرًا.» وقذفت بحذائها بعيدًا ولفت ذراعيها حول عنقي. طبعتُ قبلة على شفتيها ورجعت إلى الخلف، لأتأمل وجهها ثانيًة. كانت جميلة، جميلة كحلم. لازلت لا أصدق أنني أحتويها بين ذراعيّ الآن. أغلقت عينيها، في انتظاري لأقبلها مرة أخرى.

كان هذا عندما بدأ وجهها يتغير. شيء أبيض سمين تسلل خارج إحدى فتحتي أنفها. كان يرقة، يرقة ضخمة في الواقع، أكبر من أي يرقة رأيها من قبل. ثم توالى خروج اليرقات من كلا فتحتي أنفها، وأحاطت بنا رائحة الموت فجأة. كانت اليرقات تسقط من فمها على عنقها، وتزحف عبر عينيها وتختبئ في شعرها. انزلق جلد أنفها، وذاب اللحم من تحته حتى لم يتبق سوى ثقبين أسودين. كافحت المزيد من اليرقات لتخرج منهما، وتلطخت أجسادهم البيضاء الشاحبة باللحم المتعفن الذي أحاط بهم.

بدأ القيح يتدفق من عينيها، وسببت قوته الطاغية تشنج مقلتيها، ثم سقوطهما وتدليهما على جانبي وجهها. في محجريها الغائرين، تدفقت كتلة يرقات كبكرة خيطٍ أبيض في دماغها العفن. تدلى لسانها من فمها مثل بزاق ضخم، ثم تقيح وسقط. ذابت لثتاها، وسقطت أسنانها البيضاء واحدة تلو الأخرى، وسرعان ماسقط الفم نفسه. تدفق الدم من جذور شعرها، ثم سقط الشعر كله. من تحت فروة الرأس اللزج، شق المزيد من الحشرات طريقهم أكلًا حتى السطح. كبلتني الفتاة بذراعيها، ولم ترخي قبضتها أبدًا. كافحت عبثًا لتحرير نفسي، لأحمي وجهي، لأغلق عينيّ. ارتفعت كتلة يابسة من معدتي لتصل إلى حلقي، لكن لم أستطع تقيؤها. شعرت كما لو أن جلدي قد انقلب. وفي أذني، دوت ضحكة القزم.

استمر وجه الفتاة في الذوبان حتى انفتح فكها بفرقعة مفاجئة، كأنما باغته التشوه المفاجئ للعضلات، وانطلقت كُتل اللحم الذائب والصديد واليرقات في كل الإتجاهات.

كتمت أنفاسي لأمنع صرخة من الخروج. أردت أن يسحبني أحد -أي أحد- بعيدًا عن هذا الجحيم الثقيل. لم أصرخ في النهاية، رغم كل شيء. قلت لنفسي أن هذا لايمكن أن يحدث. أدركت بالحِدس تقريبًا، أن هذا لايمكن أن يكون حقيقي. القزم يفعل هذا، إنه يحاول خداعي، يحاول أن يجعلني أستخدم صوتي. صوتٌ واحد ويملك جسدي للأبد. هذا تمامًا مايريد.

أدركت الآن مايجب علي فعله. أغلقت عينيّ -بلا أدنى مقاومة هذه المرة- وتمكنت من سماع الريح تتحرك عبر الحقل المعشوشب. كانت أصابع الفتاة تنقر ظهري. لففت ذراعيّ حولها وضممتها إلي بكل ما أوتيت من قوة، طابعًا قبلة على اللحم المتقيح حيث بدا لي موضع فمها. أمكنني الشعور باللحم الزلق وكتل اليرقات على وجهي، وتعبقت أنفي برائحة عفنة، لكن هذا لم يستغرق سوى لحظة. عندما فتحت عيني، وجدتني أقبل الفتاة الجميلة التي أتيت معها، ووجنتيها الورديين يتوهجان في ضوء القمر الخافت. عرفت أنني قد هزمت القزم، وقد هزمته دون إصدار أي صوت.

قال القزم بصوتٍ منهك: أنت الفائز. الفتاة لك. أنني أغادر جسدك الآن. وقد غادر بالفعل.

تابع القزم: «لكنك لم ترى كل مالدي. يمكن أن تربح مِرارًا، لكن لايمكن أن تخسر سوى مرة. عندها تكون نهايتك وسوف تخسر. هذا اليوم يوشك على المجيء. سأكون في الإنتظار، بغض النظر عن الوقت الذي يستغرقه.»

صِحت فيه: «لماذا يجب أن يكون أنا؟ لماذا لايمكن أن يكون شخص آخر؟»

لكنه لم يرد، فقط ضحك وتطاير صوت ضحكه في الهواء حتى ذرته الرياح بعيدًا.

كان القزم محقًا في النهاية. كل شرطي في المنطقة يبحث عني الآن. شخص ما رآني أرقص -ربما العجوز- أبلغ السلطات أن القزم كان يرقص داخل جسدي. بدأت الشرطة في مراقبتي، واستدعوا كل معارفي للإستجواب، وشهد شريكي أنني أخبرته عن قزم الرقص من قبل. صدر أمر باعتقالي، وحاصرت الشرطة المصنع. أتت الفتاة الجميلة من المرحلة الثامنة لتحذرني سرًا. هربت من القسم وهرعت إلى المجمع حيث يتم تخزين الفيلة المنتهية. فررت إلى الغابة، متشبثًا بمؤخرة أحدهم، ساحقًا عدد من رجال الشرطة في طريقي.

مر مايقرب من شهرالآن، وأنا أهرب من غابة لأخرى، ومن جبل لآخر، أقتات على التوت والحشرات، وأشرب المياه من النهر لأبقى حيًا. لكن هناك الكثير من رجال الشرطة، وهم ينوون القبض علي عاجلًا أو آجلًا، وعندما يقبضون علي، سيقيدونني برافعة ويمزقونني إربًا، أو هذا ماقيل لي.

يأتي القزم إلى أحلامي كل ليلة، ويطلب مني السماح له باحتلال جسدي.

يقول: «على الأقل، لن تقبض عليك الشرطة وتقطع أوصالك بهذه الطريقة.»

-«لا، لكن عندها سيتوجب علي الرقص في الغابة للأبد.»

فقال القزم: «صحيح، لكن أنت من يتوجب عليه الإختيار.»

ضحك وهو يقولها، لكني لا أستطيع القيام بالإختيار.

أسمع عواء الكلاب الآن. لقد وصلوا تقريبًا.

هاروكي موراكامي
ترجمة عن اليابانية: جاي روبين
ترجمة عن الإنجليزية: مصطفى اليماني


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.