| 0 comments ]

 


الكتابة كما يراها نجم الكوميديا ستيڨ مارتن:

الكتابة شيءٌ يسير!

ترجمة مصطفى اليماني

 

تُعد الكتابة –ضمن كل الفنون- واحدة من أكثر الطُرُق إبهاجًا ويُسرًا لتمضية الوقت. وعلى سبيل المثال، أنا أجلس الآن بين أزهار حديقتي، أكتب على الكمبيوتر الجديد. ولا أعاني نقصًا في الأفكار، لأن كل زهرة توحي بقصة جديدة. كل ما علي أن أُمعِن النظر في قلب الزهرة لأقرأ قصتها، ثم أضرب بأصابعي لوحة المفاتيح لكتابتها، وتلك عملية أستمتع بممارستها على كل حال. يمكن أن أكتب "نتبهع تخثصةر تهص" وسيغمرني نفس الاستمتاع الذي أشعر به عند كتابة كلمات فعليَّة. إنني أستَمتِع بحركة أصابعي فوق لوحة المفاتيح بكل بساطة. لا شك أن الكتابة تصبح عثيرة على الكاتب أحيانًا، لكن ما أفعله في تلك الأوقات هو التوقف عن الكتابة والتنفيس عن نفسي بالذهاب إلى مقهاي المفضَّل واحتساء القهوة، عالمًا أن ذهني يمكن أن يغيِّر الكلمات، أن يعيد النظر فيها أو يتلاعب بها، أو يرفضها في نهاية الأمر بالطبع. لا يتمتَّع الرسَّامين بتلك المزية، فإذا ذهبوا إلى المقهى، ستجِف ألوانهم حتى تتحوَّل إلى كتلة صلبة.

 

المكان ثم المكان ثم المكان:

أقتَرِح على الكُتّاب أن يأتوا للعيش في ولاية كاليفورنيا، لأنه في كاليفورنيا، يمكنهم تأمُّل السماء الزرقاء في تلك اللحظات التي ينظروا فيها إلى قلب زهرة. إن شعورًا بالأسف يغمرني على هؤلاء الكُتّاب –وبعضهم يتمتَّع بشهرة واسعة- الذين يعيشون في أماكن مثل جنوب أمريكا وتشيكوسلوڨاكيا، تلك أماكن أتصور أن الوضع فيها يغدو موحشًا جدًا. من السهل أن تلحظ أولئك الكُتّاب، فكُتُبهم غالبًا ما يطغى عليها الإحباط وتكون مُفعَمَة بالأمراض والسلبيَّة. إذا أردت أن تكتب عن الأمراض، فإنني أخبرك أن كاليفورنيا هي المكان المناسب لذلك. لا يُعد داء التقزُّم مَرِحًا على الإطلاق، لكن انظر للنتيجة عندما تمت معالجتها في كاليفورنيا. سبعة أقزام سعداء. أيمكنك تصوُّر الأقزام السبعة في تشيكوسلوڨاكيا؟ ستكون النتيجة سبعة أقزامٍ تعساء في أفضل الأحوال، سبعة أقزامٍ تعساء لا يتمتعون بمواقف سيارات لذوي الاحتياجات الخاصة.

 

لماذا يعد "الحب في زمن الكوليرا" عنوانًا سيئًا:

أعتَرِف أن "الحب في زمن..." يُعد عنوانًا رائعًا، حتى تلك اللحظة. فعندما تقرأه تغمرك السعادة لأنه عن الحب. تعجبني الطريقة التي ذُكِرَت بها كلمة "زمن" في العنوان، هناك شيء جيِّد نَتَج عن اقتران كلمتيّ الحب والزمن، لقد شكَّلت الكلمتين ما يبدو وكأنه كلمة جديدة تقريبًا: زمنالحب، مما يمنحك شعورًا رائعًا. لكن فجأة يظهر مرض الكوليرا ليحطِّم لذَّتي. ربما كان العنوان المبدئي لهذا الكتاب هو "الحب في زمن الجروح المتقيِّحَة والبثور"، وقد خطَّه الكاتب داخل بيت شجرة يعُجَّ بالفئران باستخدام آلَة كاتبة عتيقة. هذا الكاتب، كائنًا من كان، سيفيده قضاء عطلة صيفية على شواطئ المحيط الهادي.


لقد أجريت تجربة بسيطة. قررت أن آخُذ الفقرة المُحبِطَة التالية، التي لا بدّ أن كتابتها تمَّت في مكان كئيب، وأقوم بإعادة كتابتها تحت تأثير كاليفورنيا:


لقد خدع معظم الناس أنفسهم عندما آمنوا بشيئين: الذاكرة الأبدية (للناس والأشياء والأفعال والأُمَم) وإمكانية تدارُك (الأفعال والأخطاء والخطايا)، وكلاهما زائفًا. العكس هو الصحيح في الحقيقة: كل شيء سيتم نسيانه ولن يتم تدارُك أي شيء“.

ميلان كونديرا


جالسًا في حديقتي، بينما يطير النحل من زهرة إلى أخرى، تركت الفقرة السابقة تمر عبر مصفاة ذهني. فكانت الفقرة الجديدة:


"أشعر أني جميلة،

في غاية الجَمال،

أشعر أني جميلة ومَرِحَة ومُشرِقَة[1]".


كان كونديرا ثرثارًا للغاية. أحيانًا مايكون زر الحذف أفضل أصدقائك.


خُرافَة قَفلَة الكاتب:

إن ”قفلة الكاتب“ مصطلحٌ وهمي ابتكره الكُتَّاب المتذمِّرون حتى يجدوا عُذرًا لشُرب الخمور. لا شك أن الكاتب يمكن أن يواجه مشقَّة في التقدُّم أحيانًا، لكن عندما يحدث هذا للكُتَّاب الحقيقيين، فإنهم ببساطة يخرجون لتلقِّي الوحي من محادثات الآخرين. البديل هو أن تتولَّى وظيفة الشخص الذي يوحي إلى الكُتَّاب، وبالتالي تحصل على الفضل كله. أيضًا تصبح الكتابة أكثر يسرًا حينما يتوفر لديك شخص لتجلس معه وتتبادلا الأفكار، ويحبذ –عند الاختيار- أن يكون اسمه الأخير "سالينچر"[2]. أعرف كاتبًا فرنسيًّا من مطلع العشرينات –ويبدأ اسمه بحرفيّ م.ب[3]- كان يمكن أن يفيده وجود شخص كهذا. لو كان قد حظي بشخص كهذا، ربما كان ليختار "ذكرى الأشياء الماضية" كعنوان لكتابه، بدلًا من العنوان السخيف الذي اختاره. الحيلة الأخرى التي أستخدِمها عندما أُصاب بتوقُّفٍ مؤقَّت تُعد مضمونة النجاح تقريبًا ومشاركتها معك تسعدني. انتقي رواية منشورة وابحث بها عن جُملَة تفضِّلها، ثم انقلها إلى مخطوطتك. غالبًا ما ستقودك تلك الجملة إلى أخرى بطبيعة الحال، وسرعان ما ستبدأ أفكارك الخاصة في التدفُّق. لو لم تتدفَّق أفكارك، انقل الجملة التالية. يمكنك استخدام ثلاثة جُملٍ بحدٍّ أقصى من عمل كاتب آخر دون قلقٍ، إلا إذا كان الكاتب صديقك، عندئذٍ، يمكنك استخدام جملتين فحسب. احتمالات أن يفتضح أمرك ضئيلة جدًا، وحتى لو حدث ذلك، فلن يعاقبك القانون على فعلتك.


خَلْق شخصياتٍ لا تُنسَى:

لاشيء يضمن النجاح لكتابتك أكثر من شخصية لاتُنسَى، فبوجودها، سيعود القارئ إلى الكتاب باستمرار، يحمله بين يديه، يقلِّبه، يختبر وزنه، ثم يطوِّحه في الهواء. وها هو مثال للإثارة المتصاعدة التي يمكن أن توفِّرها الشخصيات النابضة بالحياة:


"كان بعض الشباب يقفون عندما أتى ذلك الشاب.


أنت الآن في طريقك لخلق شخصية لا تنسى. لقد أسَّست لها باعتبارها شابًّا، وبذلك، سيدور في ذهن القارئ كل مايبدو عليه الشاب. في الفقرة التالية ستمنح شخصيتك الحياة بإعطائها صِفَةً:


"لكن هذا الشاب لم يكن شابًّا عاديًّا، بل كان شابًّا أحمر اللون.


تلك الشخصية، الشاب أحمر اللون، ارتسمت في خيال القارئ الآن، وصارت شخصًا كاملًا، مفعمًا بالأماني والأحلام، كالقارئ تمامًا. خاصًة لو كان القارئ شابًا أحمر اللون. ربما تود الآن منحها شيئًا يميِّزها. ويمكن أن تُخبِر القارئ بميزة الشخصية بإحدى الطريقتين: أولهما أن تذكر تلك الميزة بكل بساطة، وكمثال: "لكن هذا الشاب الأحمر كان يختلف عن معظم الشباب الحُمر، فقد كان يحب مخفوق الحليب". الطريقة الأخرى أن تذكر الميزة ضمن سياق الأحداث. اجعل الشاب الأحمر يدخل حانةً ويطلب مخفوق الحليب، مثل:


- »ماذا ستشرب أيها الشاب الأحمر؟«.

- »سأشرب مخفوق الحليب«.


بمجرد إتقانك هذين المفهومين –كتابة شخصيات تنبض بالحياة وتتمتَّع بصفاتٍ ما- ستصبح في طريقك لخلافة شكسبير. ولاتنس تسجيل حقوق ما تملك من أفكارٍ قد تكون أصلية. أنت لاتريد أن تقف عاجِزًا بينما تدخل شخصيتك المألوفة –الشاب الأحمر- حانةً في إعلان تلفزيوني لمخفوق الحليب.


كتابة الحوار:

يُصاب العديد من الكُتّاب الجيِّدين بالرهبة عندما يكون عليهم كتابة الطريقة التي يتحدَّث بها الناس في العالَم الواقعي، والحقيقة أن الأمر في غاية السهولة. كل ماعليك فعله هو تخفيض معدَّل ذكائك إلى النصف وبدء الكتابة!


موضوع الكتاب:

لأن المساحة المخصصة لكل نقطة من نقاط الموضوع قصيرة جدًا، ولن تسع التطرُّق لكل شيء، سأخصِّص هذه الفقرة للكُتَّاب الذين ربما يعانون الحياة في مناخٍ أكثر قتامة. لذا، أرجو منهم أن يقوموا بطباعة الاقتراحات القليلة القادمة، وأن ينظروا إليها خلال أشهر الشتاء الكئيبة:


·       كتاب يحمل عنوان "مُحارِبَة بملابس داخليَّة": هذا عنوان مثير جدًا ويقدم الكثير من الوعود للقرّاء.

 

·       كتابٌ يتحدَّث عن الموجات التي تتهادى إلى الشاطئ ومدى روعتها (أعتقد أنني أشم رائحة بيست سيلر هُنا).


·       "مشاهِد كئيبة من قطارٍ سريع": أستطيع أن أرى بعين الخيال بعضًا من الكُتّاب الأجانب وهم يهرولون إلى لوحات المفاتيح، مستعدِّين للضرب عليها كعازِف بيانو محترف. على أي حال، لم يكن هذا العنوان سوى مجرَّد سلسلة من الكلمات الملفَّقة الفارغة. عنوان بإمكانه أن يرسل كتابك المسكين إلى قسم "مدَّعي الموهبة" بمكتبة بارنز آند نوبل، وهناك سيذبُل ويُعرَض للبيع بثمنٍ بخس، وفي النهاية، يموت.


خطوة النشر:

لديَّ ملاحظتين بخصوص الناشرين:


1.    في أيّامنا هذه، يمكن أن يكون الناشر ذكرًا أو أنثى.


2.    يحب الناشر أن تشير إليه بالضمير المناسب، فإذا كان الناشر ذكرًا، تشير إليه باعتباره "هو"، وإذا كان أنثى، فيفضَّل أن تشير إليه باعتباره "هي"، وبعد توطيد علاقتك به، فإن كلمة "حُبِّي" تُعد مناسبة لكلا الجنسين.


أنت الآن على استعداد لخطب وِدّ ناشرك، بعدما انتهيت من تحديد الضمير المناسب. فلنفترض أن "دانتي" هو كاتبك المفضَّل. اتصل بناشر دانتي وأخبره أنك ترغب في دعوتهما لتناول الغداء. إذا أخبرك السكرتير شيء مثل "ولكن دانتي ميِّت"، فلتُبدي تعاطفك وأنت تقول "تقبَّلوا خالص تعازيَّ من فضلكم". على الغداء، تذكَّر ألّا تكون متقلِّب المزاج، فالناشرون يحبون الكاتب المَرِح على الدوام. رغم أنك ستبدو مثيرًا للإعجاب وأنت تلوِّح بذراعك –بشكلٍ مفاجئ- فوق الطاولة، مطوِّحًا كل الأطباق والأطعمة على الأرض وأنت تصرخ: «الموت للطغاة«!.


مثال على الكتابة الفعليَّة:

نادِني بإسماعيل[4]. كان البرد قارسًا، هُنا، في بلدة جبل كليمنجارو. (حقوق النشر محفوظة) تناهى إلى مسمعي صوت ناقوسٍ يُقرَع، وكنت على يقين من هويَّة الشخص الذي كان يُقرَع من أجله. كان يُقرَع من أجلي، من أجل لحظة إسماعيل الفارقة، (حقوق النشر محفوظة) شابًّا أحمر اللون يحب مخفوق الحليب. [ملاحظة من الكاتب: أعاني مشقَّة في التقدُّم الآن. سأقترب من زهرة وأنظر إلى قلبها]. كما سمعت بالضبط، من أجل لحظة إسماعيل الفارقة. (جميع الحقوق محفوظة)


وختامًا، أريد أن أشدِّد على أهمية كتابة جملة ختاميَّة قويَّة.


ستيف مارتن

من كتاب Pure Drivel

ترجمة مصطفى اليماني

.....

[1]: أغنية I feel pretty من فيلم West Side Story

[2]: يقصد الروائي چيروم ديڨيد سالينچر صاحب رواية ”الحارس في حقل الشوفان.

[3]: يقصد الروائي الفرنسي مارسيل بروست صاحب رواية ”البحث عن الزمن المفقود“.

[4]: افتتاحية رواية ”موبي ديك“ للروائي هرمان ملڨل.


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.