| 0 comments ]

 

حسن أبو ضب | أفضل أدوار ممدوح عبد العليم


ذكرى وفاة ممدوح عبد العليم

الإحتفاء بممدوح عبد العليم، بالنسبة لي، يجيء من خلال احتفائي الخاص بخيري شلبي، فالظاهر اني، لأسباب مجهولة، قررت أن يكون 2022 عاما لقراءة ما لم أقرأه من حكاياته والتعرُّف عليه، فيبدو اني ممكن أحكي قصة حياة نجيب محفوظ بسهولة بينما لا أعرف عن خيري شلبي الكثير.

صادِف اني بأعيد مشاهدة مسلسل "الكومي" الأيام دي. ودة مسلسل أصبح مغمور لأسباب مجهولة الحقيقة، المسلسل عن ثلاثية روائية للكاتب خيري شلبي اللي كتب بنفسه سيناريو وحوار المسلسل.

مش هسأل فين القنوات من عرضه طوال السنين اللي فاتت، لأن نفس المأساة مع حاجات تانيه كتير.

مسلسل الضوء الشارد

مع ذِكر ممدوح عبد العليم، مش بيخطر لأذهان الناس سوى مسلسل "الضوء الشارد" اللي مازال يحظى بشعبية كبيرة حتى الآن على التلفزيون والسوشيال ميديا، وهي شعبية مفهومة فالمسلسل قدم للناس قصص الحب والصراع اللي بيحبوا يتفاعلوا معاها وتتيح لهم أخذ صف أحد جانبي الصراع ونبذ الجانب الآخر والتشكيك في نوايا الأبطال وهكذا.

يمكن أفضل حاجة حصلت للمسلسل كان جدال السوشيال ميديا الظريف عن فرحة ونفيسة.

ورغم كل دة أنا شايف ان أفضل آداء قدمه ممدوح عبد العليم كان في مسلسل الكومي.

طبيعة شخصية رفيع بيه العزايزي واضحة رغم كل شيء وممكن الوصول إليها بشيء من الجهد، ما يخفيه هو مجرد طبقة واحدة فقط وهي واضحة ومقروءه طوال الوقت.

رفيع بيه هو ما يعرف بكبير العائلة، اتولد في حياة رغيدة لأب قاسي ولمّا كبر، وضع عل عاتقه الحفاظ على شيء من الشدة اللي كان بيلجأ لها والده وفي نفس الوقت كان اتكون لديه وعي بأخطاء والده ووجوب عدم استمرارها.

الجانب الخفي من شخصيته بدأ بدخول فرحة حياته، لمّا بدأ، وقتها، يمرّ بمشاعر دخيله عليه، لم يشعر بها من قبل، فكانت فرحة بمثابة الجميلة اللي سبّب وجودها تكسير الجليد المحيط بقلب الوحش، بدأت عصبية رفيع وشدّته ولجوءه للعنف يتحولوا لمجرَّد هيكل خارجي، قشرة محيطة بشيء ليِّن بدأ يتكوِّن بالداخل، وإن كان لا يعرف صاحبه له معنى.

كل ما سبق، وإن ذُكِر في كلمات كثيرة نوعا، يعدّ بسيطا ومقروءا وسهل الوصول إليه ويخاطب كل أنماط المشاهد ولا يدَّخِر شيئا يمكن أن تقرأه فئة بعينها.

بخلاف حسن أبو ضب.

مسلسل الكومي

قصة حسن أبو ضب نفسها مختلفة، وقد يبدو، بقليل من التمعُّن، أن القصة لا تقتصر على رواية مساره الخاص ولا تحوُّلاته ولا قصة صعوده من أسفل سافلين لأعلى قمّة في المحروسة. القصة أشمل وأعمّ.

في افتتاحية المسلسل يدور حوارا بين حسن أبو ضب ووالدته يمثِّل مدخلا جيدا للشخصية.

يعيش حسن أبو ضبّ ووالدته وإخوته في دوّار متواضع في صعيد مصر ويبدو أن كسادا عظيما قد حاق بالجميع. تصرف والدته ابناءها وتجلس إلى حسن تشكو لها حالهم وتحثه على التصرف، فيقول لها:

- أتصرَّف كيف يامّا؟ الرجّالة مرميين جنب الحيطان مالجيينش اللضا. الراجل من دول يبيع روحه عشان 20 خردة.

وبعد جدال من جهته عن ضيق ذات اليد وعدم الحيلة، تشخط فيه والدته:

- روح جيب لنا الزاد من تحت طقاطيق الأرض. إنشالله حتى تسرجه.

تُصعَق الأم بمجرد نطقها الكلمة، تُصعَق من نفسها. تفجعها فكرة نطقها الكلمة: اسرق.

في النهاية، وتحت وقع الصدمة، ينهض حسن أخيرا:

- حاضر يامّا. هروح اخبط على باب الله. يمكن يفتح لي. ويغادر على تشجيع والدته وهي تقول له: خبّط تخبيط كيف الطبل.

وإذا كان الإله، في عالم نيتشه، قد مات، فالإله في عالم حسن أبو ضبّ قد أغمض عينيه عن البشر. يسعى حسن أبو ضبّ وراء الرزق فينهره الجميع، يريد أن يكسب رزقه بعرق جبينه لكن لا يبدو أن الناس بحاجة لخدماته أو يقدرون على تحمُّل أجرة شخص إضافيّ.

لا ينجح تخبيط حسن أبو ضبّ على باب الله، لكنه لا ييأس، بل يكسر ذلك الباب، باب الله، وينهش الرزق رغما عن أي اعتبارات. يسرق حسن من الفقراء كما يسرق من الأغنياء ولا يبدو أنه قد بقي لديه مبدءا أو قانونا.

ما نجح فيه ممدوح عبد العليم في شخصية حسن أبو ضبّ كان الحفاظ على سذاجة الصعيدي الذي كان يلعبه بشتّى الطرق فلا يبدو على وجهة أو من حواره الطويل مع نفسه أنه يحيك مؤامرة أو أن لديه هدفا ما.

فإذا كان ممدوح عبد العليم قد نجح في تقديم الصعيدي الخَطِر الذي رأيناه في الضوء الشارد ورأيناه كثيرا من قبل، ففي الكومي قدم لنا ما لم يتكرر كثيرا في المشهد الدرامي المصري.

كانت خدعة حسن أبو ضبّ التي ربما لم يكن يدري هو نفسه شيئا عنها أنه لم يكن يبدي شيئا، فرغم التجارب الكثيرة التي مرّ بها والأشخاص الذين عرفهم والمهارات التي تعلَّمها، ظلّ كما هو، ساذجا عبيطا، يلوي شفتيه ويمطّ كلامه وهو يقول "إييييييييييه دي" انبهارا بأي شيء ويفكر بصوتٍ عالٍ وهو وحده ويشرد ذهنه في احتمالات كل شيء. وحتى خطواته البلهاء التي يتخذها تجاه أي فكرة يتحمّس لها ويدفع ثمنها لاحقا.

وسط هذا الكمّ من السذاجة والبله يرتكب حسن أبو ضبّ كل الفظائع، فيسرق ويزني ويُقتل على مقربة منه أشخاصا ولا يبدو أنه يفعل شيئا شاذّا، ينهش حسن أبو ضبّ كما يتنفَّس الواحد منّا ولا يتردَّد قبل أن تمتد يده إلى أي شيء متاح ولا يفكِّر في عواقب أو مخاطر أو مدى حرمانية ولا قانونية أي شيء.

كل هذا في ظل عينين الرب المغمضتين عنه، الرب الذي لم يفتح بابه، فكسر هو الباب وصارت أرض الرب مشاعا له.

هكذا نجد لحسن أبو ضبّ قراءات كثيرة، الأخلاقية منها والدينية والتاريخية والاجتماعية وتأثيره وتأثره بكل وفي كل ما سبق.

إذا كان ممدوح عبد العليم قد قدَّم أدوارا كثيرة رائعة، فحسن أبو ضبّ في رأس القائمة، وقد تكون ذكراه فرصة للاحتفاء بذلك الدور الذي نُسي في غفلة الزمن.


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.