شيء من الخوف
لماذا نتلهف لإخافة أنفسنا؟..
ألا تجد أنه من الغريب أن تطلب الخوف؟.. ألم تسأل نفسك يوماً "هو أنا بشوف أفلام الرعب ليه"؟.. عادةً تكون الإجابه هي: لأنك تريد أن تخاف, ولكن.. لماذا؟.
عندما أجد الناس يحتشدون أمام السينما لمشاهدة ذلك الفيلم الجديد.. عندما يدخلون بلهفه.. عندما أسمع صرخاتهم من الداخل.. عندما أسارع بابتياع التذكره؛ لألحق بِهُم.. عندها فقط؛ أوقن أن الخوف جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان..
أجلس أمام الكمبيوتر لأشاهد فيلم رعب, أو أكتب قصة رعب, أو أبحث عن كل ما يتعلق بالرعب, وعندما أغلق الكمبيوتر.. أقرأ قصص الرعب!, وعندما أغلق الكتاب.. أجلس وحيداً.. أتخيل ذلك الكيان المُخيف القادم من الخارج؛ ليقتحم باب غرفتي, ويظهر أمامي بمظهره المُخيف..
ما هو الخوف؟.
الخوف كما يقول عِلم النفس هو:
شعور قوي ومزعج تجاه خطر، إما حقيقي أو خيالي.
إذن نحن نفتعل خوفنا بأنفسنا.. عن نفسي أغمر نفسي في بئر الخوف؛ حتى أنسى ما أنا فيه من مشكلات..
في قصة (الغرفة الحمراء) لـ هـ.جـ.ويلز سمع البطل الكثير من الأقاويل عن تلك الغرفة, ولكنه لم يصدقها.. وبعد أن بات ليلة كامله في الغرفة, خرج ليعلن أن الغرفة مسكونه.. بالخوف!.
لقد عشنا الخوف في شتّى صورة منذ صغرنا, وحتى كبرنا.. الخوف من العلقة الساخنة التي ستنالها حتماً عندما يعلم والدك أنك كسرت نافذة الجيران.. الخوف من المُدَرّس, وعصاه الغليظة.. الخوف من الموت, بعدما علمت معناه بوفاة أحد أقاربك.. الخوف من المستقبل.. ياله من خوف.. ماذا سيحدث غداً؟.. ماذا تحمل لي الأيام؟.. هل سأنجح في الدراسة؟.. هل سأتخرج؟.. هل سأدخل الجيش, هل سأتزوج, هل سأجد المال الكافي؛ لشراء الدواء عندما أمرض, هل, وهل, وهل؟؟؟..
يبدو أننا أدمنا ذلك الشعور.. شعور مقيت هو, ولكنك لم تستطع التخلي عنه؛ لدرجة أنك أصبحت تصنعه بنفسك.. ياللجنون!..
حتى في أقل الأشياء خطراً نعيش الخوف.. تستيقظ في الصباح.. تدخل المرحاض, وتُمسِك بشيفرة الحلاقة, وتقربها من عنقك.. من الممكن أن تفلت يدك لتنحر عنقك, وتموت.. تموت لأنك فكرت في حلاقة ذقنك!..
وماذا عندما تعبر الطريق مُسرِعاً وسط السيارات المجنونه التي لن تتوقف حتى تسمح لك بالعبور.. أنا نفسي تعرضت للموت أكثر من مرة بسبب حماقة السيارات, أو هي حماقتي.. لا أعلم..
حالياً أنا أنتظر نتيجة العام الدراسي.. هي ظهرت, ولكني أخاف الذهاب, ورؤية ما حصدت من درجات؛ لأكتشف أنني لم أحصد أية درجات!..
ولكن ماذا عنك أنت؟.. أخبرني.. لابد أن انتظار ابنتك العائدة من ذلك الحفل السخيف قد أماتك رعباً. ذلك الشخص المتملق.. ألم يأخذ مكانك في العمل بعد؟. وأطفالك.. هل هناك ما يكفيهم من طعام؟. وبعد وفاتك.. كيف سيأكلون؟. أحذر من سكين المطبخ, فهي أكثر الأدوات فعالية في تقصير العمر. من فضلك جفف يدك جيداً قبل أن تضع أصبعك على زر الكهرباء. أنظر يميناً ويساراً قبل أن تعبر الطريق, فربما يظهر ذلك السائق فجأة, وينتهي كل شيء في ثوانِ.. أحذر!.
في النهاية تكتشف أن لا تحتاج لأفلام الرعب, أو قصص الرعب, أو حتى الرعب نفسه؛ لأنه متواجد معك دائماً.. جَرِب عبور الطريق فقط؛ لتعرف الرعب, أو حتى الوقوف في ذلك الطابور الطويل الذي لن ينتهي أبداً..
سأخلد للنوم الأن, ولن أخاف من ذلك الشيطان الذي يترقب نومي؛ ليجثم على صدري.. فقد رأيت ما هو أفظع منه -فقط- وأنا أعبر الطريق.
مصطفى اليماني
23/ 8/ 2010
23/ 8/ 2010
التعليقات : 0
إرسال تعليق
أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.