إنه (بروس ويليس) الذي لايكف عن إبهاري دائماً.. لا أعتقد أن هذا الرجل صنع فيلماً سيئاً أبداً! لم أصادف -بلا مبالغة- فيلم لـ (ويليس) ولم يدخل دماغي.. يجب أن تشاهد الفيلم، وتظل في مكانك، منبهراً بآداءه، هذا غير اختياراته الرائعة، فهو يحرص على اختيار أدوار صائبه دائماً، ولا يتهور مثل بعض أبناء جيله، ويقبل بأي شيء؛ لأن العمر بيجري!
من الأفلام التي تبرز حسن اختياره بشدة، فيلم (Red).. الأكشن في هذا الفيلم كان كثيراً، ومع ذلك لم أشعر للحظة واحده؛ أن هذا لايناسب رجلاً في مثل سنه (57 عام)؛ ولذلك دائماً ما تبهرني أفلامه.. لأنه يختار بعنايه أدواره، التي لاتجعلك تشعر؛ بأن مايحدث في هذا الفيلم ليس منطقياً أبداً.
16Blocks
هذا الفيلم شاهدته بالصدفة على قناة Mbc2، وبرغم أنني شاهدته من قبل، وجدت نفسي أجلس؛ لأشاهده للمرة الثانية أو لعلها الثالثة.. في هذا الفيلم نشاهد (بروس ويليس) في دور يختلف عن بقية أدواره، فهو لايقوم بحركات خطره، ولايسعى لاستفزازك ليشتبك معك، وكل مايريده هو الخلاص. المحقق (جاك موسلي) هو اسم الشخصية التي يلعبها (ويليس) في الفيلم.. شكل الشخصية نفسه ملفت لانتباه المشاهد المتابع لـ (ويليس)، هذا الشكل يقول: أن هذا الشخص لايريد سوى انتهاء اليوم.. لايريد متاعب.. ملامح الإرهاق مدمجه مع تعبيرات الشخص الذي يشعر بالضجر والمرار.. ذلك العرج في ساقه؛ والذي يقف حائلاً بينه وبين الركض؛ للهرب من المخاطر التي تتربص به.. فيما بعد، ومع تطور أحداث الفيلم؛ ستعرف لماذا تحول هذا الرجل لما هو عليه.. مكتئب، ومدمن على الخمر..
هذا الفيلم لا يستغرق وقتاً طويلاً أبداً لتبدأ أحداثه.. المحقق (جاك) يفاجأ برئيسه في العمل يطلب منه نقل شاهد للمحكمة التي تقع على بعد 16 مربع سكني.. مسافة قصيرة، لكن سيتضح أنها أصعب مسافة يمكن له أن يقطعها في حياته؛ لأنها من الممكن أن تكلفه حياته!
قام بلعب دور الشاهد (إيدي بانكر)، الممثل (موس ديف)، وهو ممثل ذكي للغاية في رأيي، وقد شاهدته في الموسم السادس من مسلسل Dexter وأعجبني آداءه.
يضع (جاك) شاهده (إيدي) في الكنبة الخلفية من السيارة، وينطلق متوجهاً إلى المحكمة التي تقبع على بعد 16 مربع سكني.. إيدي كان محكوماً عليه بالسجن؛ بسبب اتهامه بالسرقة؛ لذلك يجلس والأصفاد تقيد يده وراء ظهره، لكنك لاتتصور أبداً أن شخصاً مثل هذا، من الممكن أن يرتكب خطأ كبير، يتسبب في دخوله السجن، فنبرة صوته التي تجعلك تظن أنه مصاب بالزكام طيلة الوقت، ونظرة عينيه البريئتين، والحكايات التي يحكيها؛ حتى في الأوقات الغير مناسبه... كل ذلك لايجعلك تؤمن أن هذا الشخص مجرم.. لايمر وقت طويل قبل أن يتوقف (جاك)، ويخرج من السيارة؛ ليدخل محل للخمور، وسط توسلات (إيدي) له بعدم التوقف..
في هذا المشهد نعرف أكثر عن (جاك) و(إيدي)، نعرف أن اكتئاب (جاك) من النوع الكبير، ونعرف أنه لم يعتقد أن (إيدي) بالإهتمام الذي يجعله يقود السيارة بلا توقف، ونعرف أن (إيدي) الشاهد والمجرم السابق، مهم جداً.. مشهد مهم للغاية، جمع الكثير في وقت قصير.
(إيدي) المتوتر يجلس داخل السيارة، وذلك الرجل يقترب منه، يطلب منه فتح النافذة، ويخرج سلاحاً يوجهه نحو إيدي.. وتنطلق الرصاصة، مخترقه النافذة، التي تتلون بالدماء.. دماء الرجل صاحب السلاح نفسه! هذا المشهد رائع جداً، وحركة الكاميرا فيه كانت مبهره للغاية.. ومنذ هذه اللحظة يشعر (جاك) بأهمية (إيدي).
في العاشرة تماماً من ذلك اليوم، ينتهي تكليف المُحلفين؛ الذين من المفترض أن يشهد (إيدي) أمامهم؛ ولذلك يجب أن يصل به المحقق (جاك) إلى المحكمة، قبل ذلك الوقت.. ماسوف يحدث أننا سنرى أشخاصاً يريدون منعهما من الوصول للمحكمة، سواء عن طريق القتل، أو عن طريق التأخير.. المفاجأه أن هؤلاء الذين يطلقون الرصاص طيلة الوقت، ويلاحقون (جاك) و(إيدي).. هؤلاء من الشرطة! إنها الشرطة، وليست عصابة مثلاً.. ويتضح أن هذا؛ لأن (إيدي) يريد أن يشهد ضد أحد أفرادهم، وهذا يمثل خطراً عليهم؛ لأنهم لو لم يمنعونه؛ سيشهد ضد شرطي، ولو حدث هذا؛ فسيلقي ذلك الشرطي بدلوه كاملاً، وسينشر غسيل بقية زملائه القذر..
يقود هذه العملية الممثل (ديفيد مورس) في دور المحقق (فرانك)، وآداءه كان هادئاً كعادته، هذا الآداء الذي يتناسب مع طبيعة الموقف.. إنهم لايريدون أي شوشرة، فلتعود لمنزلك يا (جاك)؛ لنتخلص نحن من الشاهد، وينتهي كل شيء.. لكن (جاك) كان عنيداً.
حوار الفيلم كان مدهشاً؛ لدرجة أنه لو لم يحدث في الفيلم شيء سوى هذا الحوار؛ لشاهدته وأنهيته راضياً.. (ويليس) و(ديف) كانا يمثلان ثنائي رائعاً في هذا الفيلم.
(جاك) يؤمن أن الناس لاتتغير، لكن (إيدي) يؤمن أن الناس يمكنها أن تفعل؛ لذلك يجب أن يصل للمحكمة في العاشرة ليدلي بشهادته، ويذهب في الثانية عشر بعد ذلك؛ ليسحب تحويشة عمره ويذهب لـ "سياتل".. هناك سيقابل أخته التي لم يعرف بوجودها سوى من عِدّة أشهر، وهناك سيفتح مخبزاً؛ ليمارس المهنة التي تعلمها في السجن وأحبها.. أحلام جميلة، بريئة، يفصل بينها وبينه 16 مربع سكني، مليء بالشرطة الفاسدة..
كل هذا المجهود المبذول من المحقق (جاك) في سبيل حماية (إيدي)؛ يجعل المشاهد متأهلاً للنهاية التي رسمها في خياله وتوقعها: سوف يصل (جاك) بـ (إيدي) للمحكمة، وسوف يدلي (إيدي) بشهادته، وربما يصاب أحدهما برصاصة في الطريق، لكنهما سيكملان زحفهما نحو المحكمة؛ مثل فيلم "ولاد الأيه" للفنان الراحل (أحمد ذكي)! لكن المشاهد يتلقى الصدمة في النهاية.. صحيح أن (أيدي) سيتلقى رصاصة، أثناء هروبه المجنون مع (جاك) بالحافلة التي كان ينوي رجال الشرطة اقتحامها، لكنه لن يصل للمحكمة ولن يذهب إليها.. لأن (جاك) يخبره؛ أنه ضمن رجال الشرطة الذين سيفتضح ماضيهم القذر أمام الرأي العام.. ويغادر (إيدي)..
كل هذا المجهود المبذول من المحقق (جاك) في سبيل حماية (إيدي)؛ يجعل المشاهد متأهلاً للنهاية التي رسمها في خياله وتوقعها: سوف يصل (جاك) بـ (إيدي) للمحكمة، وسوف يدلي (إيدي) بشهادته، وربما يصاب أحدهما برصاصة في الطريق، لكنهما سيكملان زحفهما نحو المحكمة؛ مثل فيلم "ولاد الأيه" للفنان الراحل (أحمد ذكي)! لكن المشاهد يتلقى الصدمة في النهاية.. صحيح أن (أيدي) سيتلقى رصاصة، أثناء هروبه المجنون مع (جاك) بالحافلة التي كان ينوي رجال الشرطة اقتحامها، لكنه لن يصل للمحكمة ولن يذهب إليها.. لأن (جاك) يخبره؛ أنه ضمن رجال الشرطة الذين سيفتضح ماضيهم القذر أمام الرأي العام.. ويغادر (إيدي)..
ويذهب (جاك) بدلاً منه للشهادة! يشهد على رجال الشرطة وعلى نفسه أيضاً؛ في إثبات على أنه بإمكان الرجل أن يتغير.. يقضي عامين في السجن، يخرج بعدهما ليقضي عيد ملاده مع أسرته، في نهاية ساحرة. أرسل له (إيدي) بكعكة لعيد الميلاد مثلما كان ينوي، وخطاب يحدثه فيه عن أحواله الجيده وحياته الجديدة..
أطلق على المخبز: إيدي و جاك : )
تقييم الفيلم على موقع قاعدة بيانات الأفلام: 6.6، وتقييمي له هو: 10 من 10! دائماً أجد أشخاصاً يكتبون عن أفلام، يوصفون فيها مدى عشقهم لها وانبهارهم بها، ولايذكرون أي شيء ضايقهم بها، أو شعروا أنه خطأ، لكنهم مع ذلك يعطونه أقل من الـ 10، وكأن هذا الرقم لايجب أن نصل له أبداً، ولانعطيه لأي شيء. أنا لا أرى الأمور بهذا التعقيد.. الفيلم أعجبني، وأعطيته الـ 10 كاملة! آداء (ويليس) مع (ديف)، وحوار الفيلم، وشكل الشخصيات.. والمتعة التي حصلت عليها، والمشاعر الجيدة التي اجتاحتي عند النهاية.. كل هذا يؤهله لذلك.
أتمنى أن تستمتع به لو شاهدته، كما استمتعت أنا، وأتمنى أن ترى أكثر مما رأيت.
مصطفى اليماني
10 أكتوبر، 2012
التعليقات : 0
إرسال تعليق
أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.