| 2 comments ]

لابد أن تعرف -أنعم الله عليك بالمعرفة- أن كرشك يعرف كل خباياك وأسرارك، وأنه يحفظ أوقاتك التي قضيتها حزيناً أو سعيداً، كما لم تحفظها أنت؛ وأنه -بعكس ما لم يخبروك به في المدارس- يملك ذاكرة خاصة وقوية، وطويلة العمر.. إن العقل البشري لا ينسى ولا يغفل أي شيء، لكنه -كما هو معروف عنه- يبقي الذكريات القديمة نائمة.. تلك الأوقات التي نظن أنها لا داعي لتذكرها؛ لذلك نغفل عنها، فيصحبها العقل إلى غرفة البيات الدائم، حيث تحظى بنومٍ طويل؛ إلى أن يحدث شيء هام؛ له علاقة بتلك الذكريات؛ وقتها يدق عقلك باب الغرفة، ويوقظ لك ذكريات ظننت أنك نسيتها، وأنها لا أهمية لها في شيء؛ إلا في سلة إعادة تدوير الذكريات..

ونعود لموضوعنا الرئيسي؛ ألا وهو "ذاكرة الكرش".. قد يبدو وقع الكلمة غريباً للوهلة الأولى، لكن إن تمهلت وأعملت عقلك قليلاً؛ وحاولت استنتاج المقصود بذاكرة الكرش؛ قد ترى أن الموضوع أبسط من ذلك. أنت أمام شخص يخبرك أن كرشك له أهمية.

إن أهمية الكرش تتلخص في أنه كان حاضراً معك في كل وقت كنت تشعر فيه بشيء ما.. الحزن، أو الفرح، وما يتفرع منهما من مشاعر المكسب والخسارة وغير ذلك.. كل طعام كنت تأكله، كفيل بالتعبير عن حالتك وقتها، أو الحالة العامة للمكان الذي كنت فيه، أو من هم حولك من عائلة، أو أقارب، أو أصدقاء.. والإنسان -عزيزي القارئ- على عكس مايدعي تماماً؛ فهو إما يأكل طيلة الوقت، أو يفكر في الأكل طيلة الوقت، أو يعمل من أجل (لقمة العيش) طيلة الوقت.. أحياناً أظن أن الحياة -حياتنا- تتلخص في البحث عن عدة أشياء، وهذه الأشياء هي ماتسبب لنا السعادة، وتجعلنا راضين.. ومن ضمن الأشياء التي تجعلنا راضين عن حياتنا، قنوعين بكل مافيها: الطعام.. ذلك الشيء الذي قد تظن -أو تدعي- أنك لم تُخلق لتعيشه؛ وإنما هو خُلق لتعيش، والواقع يقول أن تلك المقولات نطلقها، وقد يؤمن بها بعضنا، لكنها ليست صحيحه تماماً. أنظر لإحصائيات شراء التسالي كل عام -كمثال- لتقترب قليلاً مما أشير إليه.. تلك الإحصائيات وغيرها، تقول أن كمية ما (نقزقزه) من اللب؛ تزيد كلما زاد مانجنيه من مال، وتقل كلما قل مانجنيه. وخلاصة هذه الجزئية التي كانت تهدف لتعريف، وتقريب مصطلح "ذاكرة الكرش"، لكنها تطرقت لأشياء أخرى؛ لها أهمية في ذات الموضوع: 

  1. الطعام له أهمية؛ أكثر من قدرة أي شخص على ادعاء غير ذلك. فقط تذكر أوقات الصيام، أو عندما كنت تعود من المدرسة؛ لتسأل (ماما): عامله إيه؟ لتجيبك ظناً منها أنك تطمئن على صحتها: الحمد لله ياحبيبي، لكنك توضح لها سريعاً؛ أنك لا تقصد ذلك، وإنما تقصد: طابخه لنا إيه النهاردة.
  2. طعامك؛ يتناسب مع حالتك النفسية، والمادية، والإجتماعية.
  3. كرشك -بطبيعة الحال- كان حاضراً معك في كل وقت.. عندما تدخل المطبخ وتملأ طبقاً وتعود لتجلس أمام التلفزيون؛ لتحشو بطنك... أنت لا ترى مايعمل على الشاشة، ولا تشعر حتى بمذاق ما تأكله، فقط تملأ فمك، وتمضغ الطعام سريعاً، وتبتلعه.. وهذا لأنك حزين.
  4. الخلاصة: أن كرشك يعبر -وبقوة- عن تقلباتك المزاجية، وحالاتك النفسية المختلفة؛ أكثر مما يستطيع الكلام وصفه.
كل ماسبق، كان محاولة -أتمنى من الله أن تكون ناجحه- لتعريف مصطلح "ذاكرة الكرش".. كثيرون -وكنت منهم- كانوا يظنون أن الكرش، ماهو إلا (بالونه) أنعم علينا بها الخالق؛ لنملؤها بكل مانقابله؛ كسوبر ماريو يأكل قطع الذهب. أو أنه مجرد آداة نتلقى بسببها السخرية والإهانات ممن يعتقدون أنهم الصورة المثلى للإنسان الذي يجب علينا جميعاً أن نكونه.. أولئك النازيين لايعرفون أن للإنسان قوالب كثيرة، منها البدين ومنها النحيف، ومنها القصير والطويل، وغيرها من الأطوال والأشكال والأحجام والألوان.. يظنون أن المصنع لم ينتج غيرهم، وأن القوالب الأخرى، مجرد محاولة لإعادة تدوير مخلفاتهم.. على أي حال، ذاكرة الكرش تنطبق على الجميع، لكن قوتها تتفاوت من شخص لآخر؛ وأنا شخصياً أعتقد أن أصحاب الكروش، هم المرشحين لامتلاك ذاكرة الكرش الأقوى؛ وهذا لاعتبارات بدنية؛ ترتب عليها الكثير من المعاناة والبؤس، والحالات النفسية السيئة المتعددة. يقولون أن قوى الإنسان الحسية يمكن أن تبرز عبر المعاناة والألم، والصعاب الكثيرة التي يخوضها. أصحاب الكروش خاضوا كل ذلك، وهم في أماكنهم.. في المدرسة، والشارع، والبيت.. كل مكان.. إنهم لم يحتاجوا لركوب الطائرة والسقوط وسط الأدغال ومواجهة النباتات السامة، والحيوانات المتوحشة، والقبائل البدائية آكلة لحوم البشر. هم الذين أتى الجحيم إليهم، فأجبروا على خوضه.

في المرة القادمة؛ سنعمل معاً على توضيح مصطلح "ذاكرة الكرش"، وضرب عدة أمثلة شخصية، كفيلة بتعريف المصطلح بشكل أفضل.


14 مارس، 2013



التعليقات : 2

حمزة الأسد

نحن معا في نادٍ واحد أخي مصطفى
نادي ذاكرة الكرش :-)

مصطفى اليماني

ليه مطلعناش في نادي ذاكرة كمال الأجسام مثلًا :)

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.