| 2 comments ]

إنها الثانية بعد منتصف الليل تقريباً، الكل نيام عداي أنا الجالس أمام الكمبيوتر، أفكر في أفضل مايمكن فعله الآن، وأفكر -أيضاً- أن أفضل مايجب علي فعله هو التخلي عن التفكير في: أفضل مايمكنني فعله.. إذن هو: التفكير في التخلي عن التفكير، تطور مثير. اليوم هو الإثنين، وهذا يعني -بالنسبة لي- أن الثلاثاء صار قريباً، قريباً جداً.. ليست ملاحظة ذكية، لكنها خطيرة.. فكر في مشهد المحكوم عليه بالإعدام، وهو يسمع وقع خطوات تقترب من زنزانته، فكر في بدلته الحمراء، والرتوش على جدران الزنزانه، والصوره الصغيره المعلقه على أحد جدرانها، فكر في الدموع المحكوم عليها بالسجن في عينيه، فكر في ضربات قلبه المتزايدة، وعرقه الغزير... فكر في ذلك كله، ثم استبدله بـ:

يوم التخرج (لن أضع علامة تعجب، أتمنى لكني لن أفعل)

التخرج بالنسبة لي يعني السراب، التوهان؛ كأنك تأخذ فأر هامستر من داخل قفصه وعجلته الدواره وأنبوب مياهه؛ لتضعه في اللاشيء، وتطلب منه المضي قدماً.. 

لم أفهم أن سنين الدراسة كانت الوقت الذهبي بالنسبة لي للإستمتاع؛ إلا الآن. أنا كنت أكره الدراسة كره الكاره لشيء مكروه، أذكر أني كنت أبكي أحياناً داخل المدرسة؛ لأن وقت المرواح كان يبدو بعيداً جداً، وأذكر أني كنت أفتعل المرض؛ حتى لا أذهب، وأذكر أني كنت أتعمد السهر؛ حتى أصعب على والدتي في الصباح، فتسمح لي بالبقاء. خفت القبضة قليلاً حول عنقي، وارتخت أصابعهم؛ عند دخولي الثانوية، والتي كانت عباره عن طبقة أخرى من طبقات الجحيم، الذي لم يكتبه دانتي بالتأكيد.. متنمرين أقوى، وشتائم بالأم طيلة الوقت، واستخدام بدانتي للنيل مني، وعدم براعتي في السباب ورد الشتائم، وتبادل اللكمات..... كان هذا كثيراً علي، لكن يقولون أن الصاحب الجيد، هو مايجعل سنين السجن تمر سريعاً، وأنا كان محكوم علي بخمس سنوات في مدرسة أعتقد أن هناك سجوناً أجمل منها، وأفضل في المعاملة.. لكنها انتهت فجأه؛ كما بدأت فجأه، وكما ينتهي كل شيء مثلما يبدأ، وذهبت بمرها الكثير وحلوها القليل، وبعد الدوخه واللف والمرواح والمجيء بين مكتب التنسيق واختبار القبول في كلية الفنون الجميله؛ ظهرت النتيجة؛ بأني لن أرى جامعة القاهرة من الداخل، تلك التي كنت أحلم دخولها؛ بسبب رؤيتي لها في المسلسلات والأفلام، كنت أعتقد أن بوسعي التحول لشخص آخر، شاب يشبه بقية الشباب الطبيعيين، حيث التيشرتات، والكلمات، والحركات، وتسريحات الشعر، والبنات.. والمباني، والحدائق، وحيث تصطدم بفتاة، فتتسبب في وقوع كتبها، تقع في حبك بعد مساعدتك لها في جمعها.. كل هذا ذهب، مع نتيجة التنيسق، التي أخبرتني أن مكاناً لم يقبل بي، سوى معهد بالمقطم، مكان آخر قريب من بيتي، وعالم آخر جديد، ضيق.. الفكاهه أن صديقي الذي صاحبني في سنين الثانوية، حصل على نفس درجاتي، وذهب معي إلى نفس المعهد! وهو بالمناسبة مسيحي، لكنه طيب، وكنا نتعرض معاً للإهانات وجر الشكل، والضرب أحياناً، من عصابه كانت تؤمن أن صداقتنا حراماً؛ لذلك كانت تسبنا، وتقلب علينا المسلمين من الطلبه والأساتذه؛ لمضايقتنا. أنتهز الفرصة لأخبرهم: أنتوا ولاد وسخة..

وكما بدأت السنة الأولى في المعهد، بطيئة، مقلقه، مليئة بالإلتزام والحضور، وشراء الكتب، وحضور المحاضرات والسكاشن، انتهت بسنة سريعة، كنت أسأل قبل بدأ امتحاناتها عن أسماء المواد التي من المفترض أننا ندرسها.. 

الثلاثاء القادم، هو موعد مناقشة مشروع التخرج، مشروع دفعت فيه، ولم أصنعه، وقمت بشراء بدله من أجله، رغم تخوفي من أن يبدو منظري مضحكاً بداخلها، تخيل أن تحشو كل هذا الشحم داخل شيء من المفترض أنه صُنع من أجل النحفاء، وذوات الأجساد الملائمه.. 

لكن الأمر لم يعد متعلقاً بالمدرسة، ولابالمتنمرين الذين يعانون من عقد تدفعهم لضربنا وسرقة السندوتشات منا، ولابالثانوية وعذابها، وكل الأفلام الأمريكية التي صُنعت خصيصاً من أجل أن تخبر أمثالي: متقولش على نفسك كدة، انت جميل، ولا حتى بالمعهد وكل الفتيات اللاتي أتيحت لي الفرصة لنيل صداقتهن، لكني لم أنجح في ذلك؛ غالباً لأني كنت أتصور أن الأمر سينتهي بنا؛ كحبيبين. أذكر فتاة قمت بمساعدتها على شراء ملزمة، وبالصدفه كان طريقنا واحداً، وعندما ركبنا الميكروباص، وعلمت أن طريقنا واحد، قلت لها: صدفة غريبة! قال يعني القدر جمعكوا سوا ياخويا!

لم يعد الأمر متعلقاً بذلك كله؛ للغرابة، وللأسف، والغريب أنه (للأسف)..

بات الأمر متعلقاً بما سيأتي بعد ذلك.. أعرف أن يوم الثلاثاء سيمر، بحلوه ومره، لكنه -أيضاً- سيكون حكماً بالإعدام، سأضطر للتوقف عن الهرب من والدي، الذي كان يخبرني في الماضي: أنا عايزك تبقى احسن مني، والآن يخبرني: أنا عايزك جنبي، انا كبرت، سأضطر للتوقف عن التملص منه، ومواجهة الواقع: أنا لا أريد أن ينتهي بي الأمر كبائع للفول والطعمية، لا أريد حكماً بالمؤبد داخل جدران مطعم، هذا عملك أنت، وأنت من يجب عليه مواجهة ذلك، لماذا كنت تعلمنا؛ إذا كنت تريد منا أن نكون (أنت)، فات الوقت، وثقافتي القليله، ترفض البقاء (هنا)؛ إنها تريد الذهاب (هناااااك)، حيث يذهب الذين لايعرفون إلى أين يذهبون، ولاماذا يفعلون، ولامن يكونون، فلتختنق بأفكارك، وببخلك، وبمالك، وعملك، وكل شيء يتعلق بك..

سأضطر للمواجهه المؤجله معه، لكني أيضاً سأضطر لمواجهة نفسي.. أنا لا أعرف ماذا أفعل، لا أعرف ما أريد أن أكونه، لا أعرف ماذا سأعمل.. لايمكن أن أعمل في مهنة: القراءة، والأكل، ومشاهدة الأفلام، مهنة مسلية، لكنها بلا راتب، ولاتسمح لك بالخروج لو كنت تفهم ما أعني.. ولم أنجح حتى الآن، في الإنتهاء من روايتي.. العمل فيها يتم ببطئ، ببطئ، والكتابه فيها تتم على فترات متباعده، ورغم ذلك لست متضايقاً؛ لأني لا أريد كتابة فقرة لا أعنيها، ولا تحتوي على الإحساس المناسب لها، الضغب، الغضب، الغضب، تباً للجميع، فلتستقبلوا بصاقي ومنيي على وجوهكم القذرة مسبقاً......

أشعر منذ فترة، أني فقدت الذاكره حقاً.. لا أملك أي ذكرى عن أي شيء سبق وحدث في حياتي، حتى الأشياء السيئة منها، أذكر منها ومضات قصيره فقط، وأنا الذي كنت أردد أني لا أملك سوى الذكريات السيئة، وأسترجعها بسهوله.. 

هل أريد التخلص من روتين، واستقبال روتين آخر؟ أن أوضع في عجلة أخرى بدلاً من عجلة الهامستر القديمة؟ أنا شخص كانوا يقولوا لي قديماً، ما يجب علي فعله، الآن لا أحد يقول لي أي شيء، وينتظروا مني الإجابة عن أسئلة، وأخذ قرارات، وأن أعمل، وأفكر في الزواج، وأنتظر نهاية الأسبوع لأحصل على إجازة قدرها يوم واحد فقط، وأن أتخلي عن أفلامي وكتبي، وكتابتي؛ لأجل شيء، لا أعرف حتى إن كنت أستطيع الحصول عليه.. 

الزمن بالنسبة لي أصبح يوماً واحداً؛ أنا لا أحتاج للإنتظار لغداً؛ لمعرفة أحداثه، بل الغد يأتي إلي؛ كأني في فم الوحش طوال الوقت، لا الوحش يقترب، ولا أنا أهرب منه.. دائماً في فمه..

لاتوجد نهاية مناسبه لهذا الكلام؛ لأن النهاية الحقيقية لم توجد بعد.

17 يونيو، 2013


التعليقات : 2

غير معرف

كابوسية للغاية.. وأكثر ما يقبض فيها أنه لا فكاك حقًا.. ستتحول يا صديقي، ثق تمامًا فيما أقوله، ستحارب كثيرًا، وستعاند طويلاً.. لكن الاستسلام قادم لا محالة.

خواطرك لا تصنف إلى في خانة جماليات القبح، أن تعبر عن أشياء قبيحة وسيئة جدًا بأفضل طريقة ممكنة.. وهو العبث عينه.. ولهذا هي ساحرة للغاية، ككل العبث.

نادر

مصطفى اليماني

أهلاً يا نادر، ازيك؟

أنا عارف اني هتحول، لكن أعتقد اني أعقل من استنزاف نفسي في مقاومة شيء؛ أعتقد انه حتماً سيحدث!

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.