عن الرواية:
السلالة، أو The Strain، هي ثلاثية روائية من أدب الرعب والفانتازيا، كتبها المخرج الشهير (جييرمو ديل تورو) بالتعاون مع روائي آخر هو (تشاك هوجن). من الواضح طبعًا أن الأول هو من منحها شهرتها، باعتباره مخرج شهير وأحد رواد سينما الرعب والخيال، كما تظهر بصمته بشكل واضح في الرواية، من خلال التصميم المميز لمصاصي الدماء ذوي الممسات، والجو التاريخي الأسطوري الذي يحوط كل شيء. تدور الرواية حول مرض يتهدد العالم، يتمثل في طفيليات تحتل أجساد البشر وتحولهم لمصاصي دماء، يتصدى لهذا الخطر فريق في مقدمته د.إفرايم، الذي يعمل في مركز مكافحة الأمراض، والآخر (إبراهام ستراكين)، وهو نموذج العجوز الذي رأى ويعرف الكثير. تحولت الرواية لسلسلة روايات مصورة ومسلسل ناجح من إنتاج قناة FX، وسعدت أنا بترجمة فصلها الأول، وهناك نية لمتابعة الترجمة في وقتٍ لاحق، إن شاء الله.
أنه يأكل بنجر مغلي أحمر اللون |
1. أسطورة چوزيف ساردو
«كان يا ماكان»، قالت جدة إبراهام ستراكين، «كان هناك عملاق.»
أشرقت عينا إبراهام الصغير، وأصبحت على الفور دوائر الملفوف في الوعاء الخشبي ألذ طعمًا، أو أقل ثومًا على الأقل. كان صبيًا شاحبًا، نحيفًا ومريضًا، وقد عزمت جدته على تسمينه، جلست أمامه بينما يأكل حساءه، تسليه بقص حكاية.
كانت قصة الجدة، حكاية خرافية، أسطورة.
-«كان ابن أحد النبلاء البولنديين، وكان اسمه (چوزيف ساردو). كان ساردو أطول من أي رجلٍ آخر، أطول من أي سقف في القرية، مما دفعه إلى الإنحناء عميقًا ليلج أي باب، لكن طوله العظيم كان عبئًا. عيب خلقي، وليس نعمة. عاني الشاب الصغير. عضلاته تفتقر إلى القوة اللازمة لدعم عظامه الطويلة، الثقيلة. أحيانًا كان مجرد المشي يعد كفاحًا بالنسبة إليه. استخدم عكاز؛ عصا طويلة -أطول منك- مع مِقبض فضي منحوت على شكل رأس ذئب، والذي كان فخر عائلته.»
قال إبراهام أثناء مضغه: «وبعد ياجدتي؟»
-«كان هذا عبئه في الحياة، وقد علمه التواضع، الذي يعد نادرًا بالتأكيد للنبلاء ذوي الأملاك. كان لديه تعاطف كبير تجاه الفقراء، والعمال المجدين، والمرضى. وكان يحنو على أطفال القرية بشكلٍ خاص، لهذا انتفخت جيوبه العظيمة، العميقة -بحجم أكياس اللفت- بالحُلي والحلويات. لم يكن لديه الكثير من الطفولة في نفسه؛ فقد طابق ارتفاع والده في سن الثامنة، وتجاوزه في سن التاسعة. مثّل عجزه وحجمه العظيم مصدر خزي سري لوالده، لكن السيد ساردو كان عملاق لطيف بحق، ومحبوبًا بشدة من الناس، وقد قيل عنه، أن السيد ساردو ينحني احترامًا، سواء وُجِد أشخاص، أو كان منفردًا.»
أشارت له، تذكره بأخذ ملعقة أخرى. أنه يأكل بنجر مغلي أحمر اللون، يُعرف باسم "قلب الطفل"؛ للونه وشكله، وجذوره التي تشبه الأوتار.
-«وبعد يا جدتي؟»
-«كان أيضًا مُحِبًا للطبيعة، ولم يكن لديه اهتمام بوحشية الصيد، لكن كرجل نبيل، ذو مكانه؛ أجبره والده وأعمامه على مرافقتهم في رحلة لستة أسابيع إلى رومانيا.»
«إلى هنا ياجدتي؟»، قال إبراهام، «أأتى العملاق إلى هنا؟»
-«إلى الغابات المظلمة في شمال البلاد. لم يأتي رجال عائلة ساردو لاصطياد خنزير بري، أو دب، أو أيل، بل أتوا لاصطياد ذئب، رمز الأسرة وقوة بيت آل ساردو. كانوا يتصيدون حيوان صيد. تقول تقاليد عائلة ساردو أن أكل لحم الذئب يمنح رجال آل ساردو الشجاعة والقوة، وقد اعتقد والد السيد الشاب أن هذا قد يشفي عضلات ابنه الضعيفة.»
-«وبعد يا جدتي؟»
-«كانت رحلتهما طويلة وشاقة، فضلًا عن معارضة عنيفة من الطقس، وقد كافح چوزيف بقوة. لم يسبق له السفر إلى أي مكان خارج قرية عائلته، والنظرات التي تلقاها من الغرباء طيلة الرحلة، جلبت له الحرج. عندما وصلوا إلى الغابة المظلمة، بدت الغابات من حولهم حية، قطعان من الحيوانات تجوب الغابة في الليل، كأنهم لاجئين شردوا من ملاجئهم، أوكارهم، أعشاشهم ومخابئهم، الكثير من الحيوانات لدرجة أن الصيادين لم يتمكنوا من النوم ليلاً في معسكرهم. أراد بعضهم الرحيل، لكن هاجس ساردو الأكبر جاء قبل كل شيء. أمكنهم سماع الذئاب تعوي في الليل، وقد أراد أحدهم بشدة من أجل ابنه الوحيد، الذي كانت عملقته وصمة عار في تاريخ آل ساردو. أراد تطهير بيت ساردو من هذه اللعنة، ليزوج ابنه، وينجب العديد من الورثة الأصحاء.
«وهكذا كان والده من بدأ تتبع الذئب، وكان أول من انفصل عن الآخرين قبل حلول ظلام الليلة الثانية. انتظره البقية طوال الليل، وانتشروا للبحث عنه بعد شروق الشمس. وهكذا كان أحد أقرباء چوزيف من فشل في العودة هذا المساء. وهلم جرا، كما ترى.»
-«وبعد ياجدتي؟»
-«حتى لم يبق سوى چوزيف، الفتى العملاق. خرج في اليوم التالي، وفي مجال البحث السابق، اكتشف جثة والده، وجميع أبناء أعمامه وأعمامه، متروكين عند مدخل كهف تحت الأرض. تم سحق جماجمهم بواسطة قوة عظيمة، لكن أجسادهم ظلت غير مأكولة. قتلوا على يد وحش ذو قوة هائلة، لكن ليس لجوعٍ أو خوف؛ بل لسببٍ، لم يستطع تخمينه، رغم أنه شعر أنه مُراقَب، وربما حتى يتم دراسته، بواسطة شيء يكمن داخل هذا الكهف المظلم.
«حمل السيد ساردو الجثث بعيدًا عن الكهف، وقام بدفنهم عميقًا. كشف هذا ضعفه الشديد بالطبع، واستهلك أغلب طاقته. كان واهنًا ورَثًّا، ورغم أنه كان وحيدًا، وخائفًا، ومنهكًا، إلا أنه عاد إلى الكهف في تلك الليلة، ليواجه الشر الذي يكشف عن نفسه بعد حلول الظلام، وليثأر لأسلافه أو يموت أثناء المحاولة. عُرِف هذا من مذكرات كان يحملها، وُجِدَت في الغابة بعد سنواتٍ عِدَّه. وكان هذا آخر ماكتبه.»
فُغِرَ فاه إبراهام خاويًا:
-«ولكن ماذا حدث ياجدتي؟»
-«لا أحد يعرف حقًّا. بالعودة إلى المنزل، عندما امتدت الأسابيع الستة إلى عشرة، بلا أي خبر، كان هناك تخوف من أن تكون حفلة الصيد قد فُقِدت، فتشكلت فرقة بحث ولم تجد شيئًا، إلى أن وصلت في إحدى ليالي الأسبوع الحادي عشر، عربة مع نوافذ مسدلة الستائر، إلى أملاك ساردو. كان السيد الشاب. عزل نفسه داخل القلعة، داخل جناح بغرفة نوم خاوية، ونادرًا ماشوهد مجددًا. في ذلك الوقت، لم يلاحقه سوى الشائعات، حول ماحدث في الغابات الرومانية. القِلَّة الذين ادعوا رؤية ساردو -إن استطعنا أن نؤمن بكلام هؤلاء- أصروا على أنه قد شُفي من عِلاَّته، حتى أن البعض همسوا بأنه عاد مستحوذًا على قوة عظيمة، تضاهي حجمه الخارق. إلا أن حِداد ساردو على والده وأعمامه وأبناء أعمامه كان عميقًا جدًا، حتى أنه لم يُرى مجددًا خلال أوقات العمل، وسرّحَ معظم خدمه. كان هناك حركة حول القلعة في الليل -أمكن رؤية توهج نيران المدفأة خلال النافذة- لكن مع مرور الوقت، غرقت أملاك ساردو في الإهمال.
«لكن في الليل، ادعى البعض سماع العملاق يمشي حول القرية، خاصًة الأطفال، الذين تداولوا حكاية سماعهم لصوت الـ"بِك، بِك، بِك" الذي تصدره عصاه، تلك التي لم يعتمد عليها ساردو طويلًا، لكنه استخدمها ليستدعيهم خارج أسرّتهم، لينالوا الحلوى والألعاب. المكذبين تم لفت نظرهم إلى ثقوب في التربة، خارج نوافذ غرف النوم، علامات وكز صغيرة مثل التي تحدثها عصاه ذئبية الشكل.»
ضاقت عينا جدته، فقد لمحت وعائه، ورأت أن معظم حساءه قد نفد.
-«ثم بدأ بعض أطفال الفلاحين في الإختفاء، كذلك انتشرت قصص حول تلاشي الأطفال من القرى المحيطة، حتى من قريتي نفسها. نعم يا إبراهام، كفتاة، نشأت جدتك على بُعد مسيرة نصف يوم فحسب من قلعة ساردو. إنني أذكر شقيقتين، عُثِرَ على جسديهما في الغابة، بياضهما كالثلج المحيط بهما، عيونهم المفتوحة تلتمع إثر الصقيع. أنا نفسي، سمعت في إحدى الليالي صوت الـ "بِك، بِك، بِك"، ولم يكن بعيدًا جدًا -يالها من ضجة قوية، إيقاعية- وسحبت غطائي سريعًا فوق رأسي لأحجز الصوت خارجًا، ولم أنم بعدها لعدة أيام.»
ابتلع إبراهام نهاية القصة، مع ماتبقى من حساءه.
-«معظم قرية ساردو تخلت عنه في نهاية المطاف، وأصبح مكانًا لعينًا. وحكى الغجر، عندما مروا ببلدتنا على متن قطار النقل، عن أحداث غريبة، عن أشباح وظهورات قرب القلعة، عن العملاق الذي يطوف الأرض تحت ضياء القمر مثل إله الليل. كانوا هم من قاموا بتحذيرنا ’’كلوا واكبروا أقوياء، وإلا سيأتي ساردو لينال منكم.‘‘ لهذا الأمر مهم يا إبراهام، كُل لتغدو قويًا. أكشط هذا الوعاء الآن، وإلا سيأتي.» وانتابتها مرة أخرى تلك اللحظات المُظلِمة، كأنها تتذكر أمرًا، وعادت عينيها لزمنٍ كانت تنبض فيه بالحياة. «ساردو سوف يأتي. بِك، بِك، بِك.»
وقد أنهى طعامه بالفعل، كل قطعة بنجر متبقية. كان الوعاء فارغًا، والقصة قد انتهت، لكن معدته وعقله كانا ممتلئين. أبهج تناوله للطعام جدته، وكان وجهها، بالنسبة له، أوضح تعبير وُجِد عن الحب. في هذه اللحظات الخاصة على مائدة الأسرة المتهالكة، كانا يتشاركان، يتقاسم الإثنان غذاء القلب والروح.
بعد عقد من الزمان، ستضطر عائلة ستراكين إلى هجر متجر أخشابهم وقريتهم، لكن ليس بسبب ساردو. ضابط ألماني تعين عليه التواجد في منزلهم، لان الرجل أمام إنسانية مضيفيه المطلقة، تقاسم معهم الخبز على ذات الطاولة المتداعية، وفي إحدى الليالي حذرهم من الإنصياع لأمر اليوم التالي بالتجمع في محطة القطار، بل يجب أن يتركوا منزلهم وقريتهم في تلك الليلة.
ماقامت به العائلة بأكملها -ثمانيتهم- كان الإرتحال إلى المناطق الريفية، مع ما تمكنوا من حمله قدر استطاعتهم. أبطأت الجدة حركتهم، والأسوأ أنها كانت تدرك ذلك، تدرك أن وجودها يعرض العائلة بأكملها للخطر، ولعنت نفسها، وساقيها العجوزتان، المتعبتان. شقت بقية العائلة طريقها في نهاية المطاف، كلهم عدا إبراهام -الذي أصبح الآن شابًا قويًا، مفعمًا بالآمال، نحات خبير في سن مبكرة كهذه، وأحد علماء التلمود، مع اهتمام خاص بالزوهار؛ أسرار التصوف اليهودي- كان الوحيد الذي بقى بجانبها. عندما وصل إليهم خبر يفيد بأن الآخرين قُبِضَ عليهم في البلدة المجاورة، وكانوا على متن قطار لبولندا، عصف الذنب بجدته، وأصرت على أن تقوم بتسليم نفسها من أجل إبراهام.
-«أهرب يا إبراهام، أهرب من النازيين؛ كأنك تهرب من ساردو، أهرب.»
لكنه لم يكن ليفعل ذلك، لم يكن لينفصل عنها.
في الصباح وجدها على أرض غرفة كانا يتشاركانها -في منزل أحد المزارعين المتعاطفين- وقد سقطت خلال الليل، شفتيها كفحمٍ أسود ومتقشرة، وحلقها أسود عن طريق عنقها، ماتت بفِعل سم حيوانات كانت قد ابتلعته. بعد تلقي الإذن من مضيفيهما الكرماء، قام إبراهام بدفنها تحت رقعة من الأشجار المزدهرة، وبصبر، قام بنحت شاهِد خشبي جميل، مليء بالزهور والطيور وكل الأشياء التي تجعلها أسعد. وبعدما بكاها بحرقة، قام بالهرب بالفعل.
هرب بجِد من النازيين، وصوت الـ"بِك، بِك، بِك" يأتيه من خلفه طيلة الوقت...
وتبعه الشر عن كثب.
التعليقات : 2
الف شكر ترجمة سلسلة افلام Leprechaun
مفهمتش، تقصد انك عاوز ترجمة "Leprechaun"؟
:)
إرسال تعليق
أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.