| 0 comments ]

ستيفن كينج: لماذا لازلت أكتب القصص القصيرة
مقدمة مجموعته القصصية The Bazaar of Bad Dreams
ترجمة مصطفى اليماني

ستيفن كينج

كعادته، يحب كينج أن يُصدِّر كل كتبه بمقدمة يعيد فيها تعريف نفسه ومايمارسه. في الواقع هذا شيء يبهرني في كينج، إلى جانب كتاباته بالطبع. الرجل كمايمثل له العالَم بأكمله مادة تصلح للكتابة، بكل مافيه من أحداث ومايتعرض له من مواقف شخصية، تافهة كانت أو عظيمة، فإن كل نص يكتبه، يمثل له قصة أخرى! فنجده يُصدِّر نصوصه بالمواقف التي أدت لكتابة تلك النصوص، وغالبًا مايكون الأمر ملفت للنظر، سواء في محتواه الثري، أو حتى تفاهته التي أدت لكتابة نص كامل.

في مجموعته القصصية الأخيرة The Bazaar of Bad Dreams "بازار الكوابيس" يكتب كينج مُقدِّمَة يطرح في بدايتها سؤال هام: لماذا لايزال يكتب القصص القصيرة، ويجيب عليه إجابة أشبه بكبسولة شاملة لمحبي هذا الفن، وسالكيه. "هذا الفن الذي أوشك على الإنقراض"، كما أطلق عليه كينج في مقدمة مجموعة أخرى، ويوشك هذا على أن يكون حقيقيًا بكل أسف.

اخترت هذه المقدمة القصيرة، لأني أعشق هذا الفن، وأحترِم كل المخلصين له -كُتّابًا وقُرّاء- بعيدًا عما يطلبه السوق.
 ***
قد تصيبك الدهشة من كم الذين يسألونني: لماذا لازلت أكتب القصص القصيرة، والحقيقة أن السبب هو البساطة ذاتها: كتابة القصص القصيرة تجعلني سعيدًا، ولأنّي نشأت لأمتِع الناس. أنا لست ممتازًا في عزف الجيتار، ولا أستطيع آداء الرقص النقري على الإطلاق، لكني أجيد كتابة القصص القصيرة، فأكتبها.

أؤكد لك أنني روائي بالفطرة، ولدي ولعٌ كبير بالنصوص الطويلة التي تخلق تجربة غامرة للكاتب والقارئ، النصوص الطويلة حيث لدى الخيال فرصة ليغدو عالَم أقرب للحقيقة. لايدخل الكاتب وقارئه في علاقة وطيدة فحسب عند نجاح كتاب طويل، بل تتحول تلك العلاقة لشيء أقرب للزواج. عندما أتلقى رسالة من قارئ يخبرني فيها أنه شعر بالأسف عند انتهاءه من The Stand أو 11.22.63، أشعر أن الكتاب حقق نجاحًا حقيقي.

لكن هناك مايمكن أن يقال عن تجربة أقصر وأكثر كثافة: أنها يمكن أن تكون مُنعِشة، أو حتى صادمة في بعض الأحيان، مثل رقص الفالس مع غريب لن تراه مرة أخرى، أوقُبلَة في الظلام، أو تُحفَة جميلة معروضة للبيع فوق بطانية رخيصة في الشارع. الوصف الأخير ينطبق علي في الواقع، دائمًا ما أشعر عند نشر قصصي وكأنني بائعٌ متجوِّل، لايروج لبضاعته سوى عند انتصاف الليل، حيث أعرض تشكيلتي وأدعوك ياقارئي لتقترب وتنتقي مايروقك منها. لكنني دائمًا ما أضع التحذير الملائم: كن حذرًا ياقارئي، فبعض هذه السلع يشكل خطورة. إنها تلك الأشياء التي تخفي الكوابيس في باطنها، والتي تشغل تفكيرك عندما يجافيك النوم، وتتساءل عن سبب انفتاح باب الخزانة، رغم أنك تعلم جيدًا أنك أغلقته.

سأكون كاذبًا لو ادّعيت أنني استمتعت دومًا بالإنضباط الصارم الذي تفرضه كتابة القصة القصيرة. القصص القصيرة تتطلّب نوعًا من المهارات البهلوانية التي تستغرق الكثير من الممارسة المُرهِقة. قال بعض المعلمين أن القراءة اليسيرة نتاج كتابة شاقة، وهم على حق.

الأخطاء التي يمكن التغاضي عنها في الرواية، تصبح واضحة وضوح الشمس في القصة القصيرة، لذا من الضروري أن يتحلّى الكاتب بالإنضباط الصارم، أن يكبح رغبته في الإنسياق وراء بعض المواضيع الجانبية الجذّابة، ويصب تركيزه على الموضوع الرئيسي.

لا أشعر أن هناك قيودًا على موهبتي كما أشعر عند كتابة القصة القصيرة. عندها أجدني مضطرًا لمقاومة شعوري بالتقصير، وخوفي الشديد من أنني لن أكون قادرًا على جسر الهُوَّة بين الفكرة العظيمة وتحقيق إمكانيات هذه الفكرة. الخُلاصة، أن المُنتَج النهائي لايبدو جيدًا بقدر الفكرة المدهشة التي نبتت من اللاوعي ذات يوم إلى جانب التفكير الحماسي الذي يصرخ فيك: يجب أن تكتب هذه القصة فورًا!

أحيانًا تكون النتيجة جيدة جدًا رغم ذلك، وفي بعض الأحيان، تكون أفضل حتى من الفكرة الأصلية. أحب حينما يحدث لي هذا. إلا أن التحدي الحقيقي يتمثَّل في بدء الكتابة، وأؤمن أن هذا التحدي سبب عدم تحوُّل العديد من الكُتّاب المحتملين ذوي الأفكار العظيمة إلى كُتّابٍ فعليين. الأمر يشبه محاولة تشغيل سيارة في يوم بارد. في البداية لاتسمع سوى أنين المُحرِّك، لكن لو واصلت المُحاوَلة (ولو كانت البطارية بخير)، سيدور المُحرِّك وتنطلق السيَّارة.

ستجد قصصًا خطرت لي في لحظة إلهام في هذه المجموعة (قصة Summer Thunder كمِثال)، وكان يجب أن تُكتَب في جلسة واحدة، حتى لو عنى هذا التوقف عن كتابة رواية. هناك قصص أخرى انتظرت دورها بصبر لعقود، مثل Mile 81. بيد أن التركيز الشديد اللازم لكتابة قصة قصيرة جيدة لايتغير أبدًا. كتابة الروايات أشبه بلعب البيسبول، حيث تستمر المباراة طالما يجب أن تستمر، حتى لو عنى هذا الإستمرار لعشرين جولة. كتابة القصص القصيرة أشبه بلعب كُرة السلة أو القدم، حيث تجد نفسك في منافَسَة ضد كلٍ من الوقت والفريق الآخر.

لاينتهي منحنى التعلُّم أبدًا، حينما يتعلّق الأمر بكتابة الخيال، سواء كان طويلًا أو قصيرًا. قد أكون كاتبًا محترفًا بالنسبة لمصلحة الضرائب عند إعداد إقراري الضريبي، لكني لازلت هاويًا من الناحية الإبداعية، ولازلت أتعلّم حرفتي. لازلنا نتعلّم جميعًا. كل يوم نقضيه في الكتابة نكتسب فيه تجربًة جديدة، ونخوض فيه معركة للقيام بشيء جديد. لكن التقاعس عن ممارسة الكتابة باستمرار أمر ممنوع. الممارسة المستمرة لن تنمّي من موهبة الكاتب -التي يفترض أنه يملكها بالفعل- لكنها يمكن أن تقي الموهبة من الإنكماش. أو هذا ما أعتقده على الأقل.

إذن، هاهي بضاعتي ياعزيزي القارئ. الليلة سأبيع القليل من كل شيء: وحش يبدو كسيارة (ذكريات كريستين)، ورجل يستطيع قتلك عن طريق كتابة نعيك، وقارئ إلكتروني يلج إلى عوالم موازية، وقصتي المفضلة دائمًا: نهاية العرق البشري. أحب أن أبيع تلك البضاعة عندما يذهب بقيّة البائعين إلى منازلهم، عندما تخلو الشوارع وتتساقط ندف الثلج فوق أودية المدينة. عندها فقط أفرش بطانيتي وأعرض بضاعتي فوقها.


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.