| 0 comments ]

American Beauty

يمكن أن ننظر للجمال الأمريكي ”American Beauty“ باعتباره كوميديًّا لأننا نضحك على عبثِيَّة مشاكل البطل، ويمكن أن ننظر له باعتباره مأساويًّا لأننا نرى أنفسنا في إخفاقاته، ولا أعني التفاصيل الدقيقة لتلك الإخفاقات، بل أعني الصورة العامة.

يدور الفيلم حول رَجُلٍ يخشى التقدُّم في السن، وفقدان الأمل في العثور على الحب الحقيقي، وألّا ينال الاحترام من المقرّبون إليه. لولم تختبر تلك المشاعر من قبل، فأنصحك أن تعلن عن نفسك في الجرائد. سيود الناس أن ينهلوا من بحر عِلمَك بالتأكيد.

ليستر بيرنهام، بطل ”الجَمال الأمريكي“ الذي أدّى دوره (كيڨين سبيسي)، هو رجلٍ تكرهه ابنته وتتجاهله زوجته، ولا أهميَّة له في عمله. يخبرنا في أوَّل ماينطق به الفيلم تقريبًا: «سوف ألقى حتفي خِلال عام، وقد لقيته بالفعل، بطريقةٍ ما». الفيلم يحكي قصة تمرُّده. 

نلتقي زوجته كارولين (آنيت بيننج)، وهي امرأة مثاليَّة للغاية لدرجة أن لون مِقبض المقص الذي تستخدمه لتشذيب الحدائق يتناسق مع لون الخُفَّين اللذين تنتعلهما أثناء التشذيب. نلتقي ابنته چين (ثورا بيرتش)، التي تدَّخِر من أجل إجراء عمليَّة تكبير الثَدي، رغم أن التكبير غير ضروري على نحوٍ واضح. ربما ليس دافعها أن تصبح أكثر جاذبيَّة للرِجال، وإنما أن تشعرهم بالحرمان أمام شيء لا يمكنهم نيله.

يندب ليستر حظَّه قائلًا: «تعتقد كلٌ من زوجتي وابنتي أنني فاشلٌ مُزمِن». وهو على حق، لكن اعتقادهما هذا لا يأتي من فراغ. في عشاءٍ أسري مأساوي تقوم كارولين بتشغيل موسيقى كلاسيكيَّة تهزأ بكل لقمة، وفي حين أن الموسيقى خصبة وتبعث على الإطمئنان، تجلس الأسرة في غضب وصمت، وعندما ينتقد ليستر سلوك ابنته، تشير بشكلٍ واضح إلى أنه نادرًا ماتحدَّث معها في الشهور الأخيرة. 

تنقلب حياة ليستر رأسًا على عقب في الليلة التي تصحبه فيها زوجته لرؤية آداء ابنتهما ضمن فريق التشجيع المدرسي. هناك، على الأرض، وسط الاستعراضات الرتيبَة الصاخِبَة، يلمح فتاته المنشودة: أنچيلا (مينا سوڨاري)، زميلة ابنته في المدرسة الثانويَّة. عِند هذه النقطة يبرُز سؤالًا هامًّا: هل من غير الأخلاقي أن يشتهي رجلا أربعينيّ فتاةً في سن المراهقة؟ أي رجلٍ نزيه سيُدرِك مدى صعوبة هذا السؤال، لكن الأمر يتعارض مع الأخلاق والقانون بالتأكيد. غير أن كل النساء تعرف أن الرجال وُلِدوا بأسلاك تخرج من عيونهم إلى أعضائهم الذكرِيَّة مباشرًة، متغاضين بهذا عن كل تفكيرٍ أخلاقي. يمكن أن يستنكِر الرجال أفكارهم تلك، لكنهم لايستطيعون الإحجام عنها.

لا يتمحور الجمال الأمريكي حول عُقدَة اشتهاء المُراهِقَات على أي حال، بل يتمحور حول التوق إلى الصِبا والإحترام والقوة، والجمال بالطبع. إن اللحظة التي يتوقف فيها الرجل عن الحلم، هي اللحظة التي يتقوقع فيها على نفسه وينغمس في خواطر مفعمة بالبذاءة والاستهجان. أفكار ليستر بشأن أنچيلا بذيئة، لكنها ليست مُنحَرِفَة، هو فقط يريد أن يمارس مايجري في دِماء الرِجال جميعًا، مع أجمل امرأة رآها في حياته.

برغم ذلك، لم تكن أنچيلا طريق ليستر للسعادة، لكنها -على الأقل- مثَّلت دافعًا لينال حريته. يتحرر ليستر بفضل أفكاره والسُخْط الذي ولَّدَتهُ نتيجة أعوام من الركود العاطفي. تبعًا لذلك، يقوم بإعلان خبرًا مُبهِجًا على مائدة العشاء الجنائِزيِّة: «لقد استقلت من وظيفتي، وقلت لمُديري أن يذهب لينكح نفسه، وابتززته من أجل الحصول على 60,000 دولار». هل فقد ليستر عقله؟ على الإطلاق، فأول مايشتريه بالمال يعد شيئًا منطقيًا تمامًا: سيارة فاقعة الحُمرَة من طراز بونتياك بيرد 1970.

تمر كلٍ من كارولين وجين بأزماتهما العاطفية الخاصة. يكتشف ليستر خيانة كارولين عندما يراها مع عشيقها أثناء شراءهما الطعام من مطعم للوجبات السريعة (حيث حظى بوظيفة أحلامه)، بينما تسمح جين لريكي (ويس بينتلي) بتصويرها في أوضاع مُخِلَّة. يخضع ريكي لفحص المخدرات على يدي والده (جندي المارين السابق) الذي يأخذ منه عينة بول كل ستة أشهر، بينما يُبقي ريكي الأجواء هادئة حتى يستطيع مغادرة المنزل.

كل تلك الأزمات العاطفية تجتمع معًا خلال ليلة عاصفة ومظلمة، حيث تقع سلسلة من سوء الفهم جديرة بالإنتماء لأفلام السكروبول كوميدي [سينما الحماقات والتهريج] لشدة غرابتها. وفي النهاية، وعلى نحوٍ غير متوقع، ينتزع الفيلم النصر من بين فكي الهزيمة لبطله ليستر. ليس ذلك النصر الذي قد تستمدة من أحد الأفلام المُبهِجَة [feel-good movie]، لكنه ذلك النصر الذي تشعر به عندما تثبت شيئًا مهمًا، حتى لو لنفسك فحسب.

لاتنطوي أحداث ”الجَمال الأمريكي“ على الكآبة أو المفاجأة كفيلم ”Happiness“، إنتاج العام الماضي الذي حاول تسليط الضوء على المجتمع الأمريكي المغمور. الجمال الأمريكي يتحدث عن الحُزن والوِحدَة أكثر من القسوة وانعدام الإنسانِيَّة. لا أحد سيء حقًا في هذا الفيلم، لايوجد هنا سوى أشخاص حصرهم المجتمع في أدوار محددة، بحيث صاروا يعجزوا عن أن يكونوا أنفسهم، أو يشعروا بالبهجة.

تراوح آداء الجميع بين السخرية والواقعية البسيطة، خاصًة ثورا بيرتش وويس بينتلي، اللذين كانا يتحدثان بنبرات باردة، متوترة، كما لو كانا طفلين لايطيقا الانتظار حتى يهربا من منزليهما. شخصية بيننج، وكيلة العقارات التي لاتنفك تردد عبارات التنمية البشرية، تخلط السعادة بالنجاح، وهو مايعد سيئًا لو كنت شخصًا ناجحًا، ومُحبِطًا لو لم تكن كذلك.

أمّا عن سبيسي، الممثل الذي تنضح عيناه وصوته بالذكاء، فقد كان الإختيار الصائب لآداء ليستر بيرنهام. لقد ارتكب أفعال حمقاء وطائشة في هذا الفيلم، لكنه لم يكن يخدع نفسه؛ كان يعرف أنه اختار طريق الحرية المطلقة بمحض إرادته، مضحيًا بما تبقى من حياته الفارغة من أجل قطرات قليلة من الحرية. ربما يكون قد خسر كل شيء في نهاية الفيلم، لكنه لم يعد خاسرًا.

روچر إيبرت
ترجمة مصطفى اليماني


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.