| 0 comments ]

 "قُلْ لي –ولو كذباً– كلاماً ناعماً قد كادَ يقتُلُني بك التمثالُ".

نزار قبّاني

في ختام حلقتين بعينهما من مسلسليّ "باري" و"بوجاك هورسمان"، ندرك، وبشدَّة، مدى تشابه عالميهما.

في ختام الحلقة رقم 11 من موسم "بوجاك هورسمان" الأول يذهب بوجاك إلى ندوة تشارك فيها كاتبته الشبح.

لقد ارتكب بوجاك هورسمان كل الرذائل الممكنة على مدار موسم كامل، خذل كل من يعرفهم، خسر كل من بقوا بجواره، وحطَّم قلبا أو اثنين ممن تبقّى فيهما ذرات قليلة من الحب تجاهه.

بوجاك هورسمان مسلسل رسومٍ متحرِّكة بطله الرئيسي رجلٍ على شكل حصان أو حصان على شكل رجل، ومن خلال تلك الشخصية الكارتونية الخيالية تُروى الكثير من الحقائق، فبوجاك إحدى مخلَّفات هوليوود، واحد من ضمن كثيرين خذلتهم الأضواء التي لمعت في مسلسل شهير وحيد. يعيش بوجاك على بقايا تلك الشهرة وعلى سيرتها يرتكب كل الفواحش في حقه وحق الناس.

بوجاك هورسمان - الموسم الأول - الحلقة رقم 11

يمكن بسهولة أن تقع في الفخ وتظن أن المسلسل مجرَّد كارتون هزلي آخر، لكنك سوف تدرك خلاف ذلك ببطء.

في إحدى الحلقات يذهب بوجاك لزيارة صديقه مريض السرطان الذي كان سببا رئيسيّا ووحيدا في حصوله على دور البطولة في المسلسل التسعيناتي الذي جلب له الشهرة والأضواء. لقد خذله بوجاك قديما ولم يقف بجانبه في أحلك محناته، وبدلا من زيارته للإعتذار والتخفيف عنه، يزيد بوجاك الطين بلَّة وينهي اللقاء بأقبح صورة ممكنه.

مع تلك الحلقة بالذات تدرك أن بوجاك ليس شخصا سيِّئا، لكنه يتصرَّف بشكلٍ سيِّء لأنه يؤمن أنه شخص سيِّء، وتلك هي مأساته.

في الحلقة رقم 2 من موسم "باري" الثالث يدخل السيِّد كوزينو -صاحب صفّ التمثيل- بيته فيفاجأ بباري جالسا بجوار ابنه وحفيده.

هناك "باري" الذي كان قد أنهى لتوِّه خدمته في الجيش. كان باري قد اكتشف في الجيش نفسا أخرى داخل نفسه، فكان يقتل الناس ببراعة وسهولة غريبين، كان يجيد إصابة الأهداف عن بُعدٍ وقُربٍ بدمٍ بارد وسط تهليل زملاؤه وتعجُّبٍ منه، ولمّا خرج تلقّاه صديق قديم لوالده ووظَّفه في ما يجيده تماما: قتل الناس.

باري - الموسم الثالث - الحلقة رقم 2

من الغريب أن نعرف أن "بيل هادر"، مؤدِّي شخصية "باري" وواحد من مبتكري المسلسل كان يعاني عقدة مشابهه.

دخل بيل هوليوود لأنه يحب صناعة الأفلام، كان يرغب في أن يكون منتجا أو مؤلِّفا، إلا أن هوليوود حبسته داخل قفص الممثل الكوميدي، وبينما وجد بيل في "باري" فرصة لاستغلال ما يريده وليس ما يجيده، وجد "باري" في صفّ التمثيل الذي سوف يتعثَّر فيه في إحدى مهمّاته غايةً كتلك أيضا.

لكن ماضٍ كماضيه لا يختفي بسهولة، يظل ماضيه يطفح إلى السطح كمياه مجارير مسدودة ويتعامل هو معه بالرصاص ظنّا منه أنه يمكن أن يدفنه حرفيّا.

أمام الميكروفون يقف بوجاك مستعطفا ديانا مؤلفة كتابه قائلا:

- أحتاج أن تخبريني أن الأوان لم يفت. أحتاج أن تقولي لي أنني شخص جيد. أخبريني رجاءً أنني شخص جيد.

وعلى الأريكة، يجلس باري في مواجهة أستاذه السابق. كان قد ارتكب قتل كثير من ضمنه حبيبة أستاذه ذاته وكان قد اختطف أستاذه لتوّه لكنه هرب منه بأعجوبه ليجده في بيته.

- أحبك يا سيِّد كوزينو. هل تحبني؟ هل يمكن أن تقولها؟ هل يمكن أن تقولها ثانية؟

لقد أذى الإثنان أشخاص كثيرون وفي مقدمتهم الشخصين الوحيدين اللذين قدَّما لهما يد المساعدة وآمنا بهما.

يجسِّد باري وبوجاك شيئا واحدا:

تلك البئر السحيقة التي تقبع في حلكة وبرودة ظلام أرواحنا وداخلها يتقوقع كل منا على نفسه في وضع جنيني في عيوننا دموع متجمِّدة وفي قلوبنا انقباضة خوفٍ كأنه خوف الواحد منا إثر انسحاب الروح من الجسد في حناجرنا أصوات تأبى الخروج ووسط كل ذلك ننتظر خيط ضوءٍ رفيع يلقيه أكثر شخصٍ أحببناه، أكثر شخصٍ أحبنا، وأكثر شخصٍ أذيناه. أن يلقي ذلك الشخص نظرة إلينا من فوَّهة البئر ويقول لنا أننا أشخاص جيدون، أن الوقت لم يفت بالنسبة لنا بعد، وأنه يحبنا رغم كل مساوئنا، رغم أن مساوئنا تلك قد طالته.

هل يمكن أن يوجد ذلك الشخص وهل نستحق تربيته أخيرة منه؟

مصطفى اليماني


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أترك تعليق أو اضغط (Like) إذا أعجبك ما قرأته، وإذا لم ينل إعجابك، أخبرني: لماذا؟..
يمكنك الإشتراك عن طريق البريد الإلكتروني -أسفل صندوق التعليقات- لمتابعة الردود، وأرجو عدم وضع أي روابط دعائية في التعليقات.